مناهج التربية الإسلامية والمربون العاملون فيها
(0)    
المرتبة: 81,261
تاريخ النشر: 01/01/1998
الناشر: مؤسسة الريان للطباعة والنشر والتوزيع
توفر الكتاب: نافـد (بإمكانك إضافته إلى عربة التسوق وسنبذل جهدنا لتأمينه)
نبذة نيل وفرات:يكشف النظر في تاريخ التربية أن الآراء كانت دائماً مختلفة حول المنهاج الذي يجب أن تعلمه، وكيف تعلمه، ولماذا تعلمه؟ وفي العقود الحديثة زادت أهمية البحث في "مناهج" التربية وتحديد مواصفاتها ومحتوياتها لأسباب أهمها: السبب الأول: إن الناس -أفراداً وجماعات- يتعرضون في كل لحظة إلى كميات هائلة من الخبرات ...والمعلومات التي يمطرهم بها التلفزيون والراديو والصور المتحركة ودور النشر والمكتبات والصحف والمجلات والخطب والأحاديث والمناقشات والمحادثات والملصقات والإعلانات وغير ذلك.
والسبب الثاني: أن التربية الغربية الحديثة التي نشرها إنسان هذه التربية في غالب بقاع الأرض بوسائله التكنولوجية المتقدمة تقوم على أسس علمية قامت على تركيز الاهتمام بالوجود المادي الذي يدخل المختبر وإهمال ما عداه.
والسبب الثالث: أن هذه المناهج المختلفة المتباينة قامت -في الأصل- على أسس فلسفية واجتماعية ونفسية مشتقة مما عرفه الإنسان الغربي عن الوجود المحسوس في مرحلة الحياة الدنيا وحدها دون تحقق جاد من الوجود المغيب في مرحلتي النشأة والمصير. ومن الواضح أن هذه المعارف والخبرات محكومة بقيم الإنسان الغربي الحديث وبما يعتقده عن عالمه وعن الأسئلة والاستفسارات المتعلقة به.
ومن الطبيعي أن تتعدد "المسلمات الظنية" عند الفلاسفة الذين أفرزوها الأمر الذي يفضي إلى اختلاف "ميادين المعرفة" و"مناهج التربية" وتنافرها وتصادم آثارها في سلوك المعاصرين إلى مجابهة آثار هذا التصادم والتنافر والبحث عن معالجته كما سنرى في صفحات هذا البحث.
أما في العالم الإسلامي فإن المربين -منذ القرن الماضي- انقسموا، وما زالوا ينقسمون، إلى فريقين إزاء المنهاج الذي يجب أن يعلم، وكيف يعلم؟ ولماذا يعلم؟
فالآبائيون -أو مقلدوا القديم- يجيبون عن هذه الأسئلة من خلال الدعوة إلى تعليم موضوعات ينتقونها من تراث من كان قبلهم، آملين من خلال هذه العملية الارتقاء بمعارف المتعلمين ومهاراتهم إلى الحد بلغة الآباء الماضون في تحمل مسئولياتهم وتلبية حاجاتهم دون اعتبار لاختلاف الزمان والمكان ومما يفضي إليه من اختلاف في الحاجات والتحديات.
أما المستغربون -أو مقلدو الغرب الحديث- فيجيبون عن هذه الأسئلة من خلال الدعوة إلى استيراد الخبرات التربوية والمؤسسات والأساليب القائمة في المجتمعات الغربية الحديثة، آملين كذلك من خلال هذه العملية تأهيل الدارسين إلى المستوى الذي يحتله رواد هذه المجتمعات في تلبية حاجات مجتمعاتهم ومجابهة المشكلات التي تواجههم دون اعتبار لاختلاف الثقافات وتنوع المجتمعات.
والواقع أن كلا القسمين من التصور المقلد للمناهج فشل في إعداد الدارسين للقيام بمسئولياتهم الحاضرة والمستقبلية، وأفرز ازدواجية في التفكير والسلوك مما قسم المجتمعات الإسلامية إلى فريقين متناقضين متصارعين، فريق يرفع لواء العلمانية، وفريق يرفع لواء الإسلام.
لهذا كله صارت الحاجة ماسة ملحة إلى بناء "مناهج" شاملة متكاملة يحيط واضعوها بحاجات "حاضر المكان" ومشكلاته، ويرسخون في معرفة "الماضي" وأصول الحاضر فيه، ويتفاعلون مع "المستقبل" وتحدياته، ثم يقومون بتحديد الأهداف واختيار الخبرات، وتعيين الأنشطة والمواقف التعليمية، وتحديد طرائق التعليم وأساليب التقويم، لتعمل كلها متظافرة، متكاملة لتحقيق الأهداف والكشف عن مدى تحقيقها وإنجازها.
ومنذ عقد الثمانينات من القرن العشرين برز الإحساس بخطورة السلبيات التي أفرزها كلا النوعين من المناهج المقلدة، وقام الحوار حول ضرورة أسلمة التربية وبلورة مناهج إسلامية أصيلة معاصرة. فعقدت لذلك مؤتمرات وندوات، وصدرت كتب وأبحاث اقتصرت -في غالبها- على التأريخ للتربية الإسلامية والإشادة بثمارها الماضية دون أن تطرح مناهج تجسد الأهداف المنشودة.
لهذه الأسباب العالمية والمحلية يأتي هذا البحث كمحاولة للإسهام في تحقيق أمور ثلاثة: الأول: تقديم أطر محددة مفصلة عن مناهج التربية الإسلامية كما توجه إليها "بصائر" القرآن والسنة وتتطلبها التحديات والحاجات القائمة. والثانية، الإسهام في معالجة الثنائية القائمة في مؤسسات التعليم التي تفرز مضاعفاتها الخطيرة في ازدواجية العقليات المتنافرة المتصارعة في الأقطار الإسلامية. والثالث، فتح الباب أمام الفكر التربوي الإسلامي للمشاركة في الحوار التربوي الدائر في العالم كله.
والأساس الذي يقون عليه هذا البحث هو أن المختصين الذين يريدهم في التربية الإسلامية "يشرعون" -أي يبدأون- من أسس قرآنية صائبة يقينية تجنبهم مخاطر التصور الظني ثم يمضون في بناء "مناهج" تربوية تستند إلى "الشرعة" الإلهية ثم يتكون من مجموع تطبيقات "الشرعة" و"المناهج"، "الشريعة" التي توجه إلى ميادين الحياة المختلفة. إقرأ المزيد