تاريخ النشر: 10/09/2025
الناشر: الدار العربية للعلوم ناشرون
نبذة نيل وفرات:"ليست المدن محض عمران ولا خرائط مرسومة على ورقّ، بل كيانات حية تنبض بما لا يقال وتُفصح لمن يحسن الإنصات، في كل مدينة سر لا يقال، ووجه لا يُرى، وروح تتوارى خلف الجدران، وتظهر فقط لمن يعبر إليها بقلب مفتوح، وعين متأملة لا بكاميرا معلقة على العنق.
لقد أدركت – ...عبر سنوات من السفر والتأمل والكتابة – أن المدن تشبه البشر، لها طبائع وأمزجة، تقبل وترفض، تهب وتمنع، تسكنك كما تسكنها، ليس السفر مجرد انتقال من مكان إلى آخر، بل عبور في الذات من خلال المكان، لقاء بين روح المسافر وروح المدينة، في لحظة تواطؤ أو خصام، منها ما يستقبلك بعناق دافئ، ومنها ما يشيح بوجهه عنك كأنك طارق غير مرحب به، بعضها يهبك الألفة من اللحظة الأولى، وبعضها لا يمنحك شيئاً سوى الغربة، حتى وإن طالت إقامتك فيها، وهذا ما يجعل كل مدينة تجربة شعورية فريدة، لا تروى من خارجها، بل تعاش من داخلها.
لم أكتب هذا الكتاب بوصف الرحالة، ولا كصاحب خارطة، بل كمن عاش المدن من الداخل، من زواياها الهامسة، من أرصفتها المنسية، من سكون مقاهيها ونظرات أهلها، كتبتها بمداد التجربة لا بالحبر وحده، كما يكتب الشعر من منطقة الشعور لا الوصف، ومن مسافة القلب لا العين. عزيزي القارئ، ربما لن تحب كل مدينة في هذا الكتاب، وربما لن تفهمها جميعاً، لكن إن أنصتَّ جيداً لما نقرأه، ستسمع ذلك الهمس الخفي، ذلك الذي لا يقال في الكلمات بل يُحسُّ في الظلال، في الهواء، في طريقة سقوط الضوء على الجدران، وفي حكاية سائق، أو نبرة طفل، أو جلسة مقهى، بالرائحة، بالعبور بما لا يظهر على الخريطة، لكن يبقى في القلب إلى الأبد. أروَاح المدن ليس كتاباً في أدب الرحلات فقط، بل نداءٌ داخلي لرؤية مدن العالم كما هي كائن حي، لا جغرافية صمّاء" إقرأ المزيد