تاريخ النشر: 01/01/1982
الناشر: دار العودة
نبذة نيل وفرات:إذا لم يشعر بتغريد الطير على اختلافه فماذا عساه يشعر؟ إن الطير المغرد هو الشعر كله لأنه هو الطلاقة والربيع والطرب والعلو والتعبير والموسيقية من لم يأنس به لم يأنس بما في هذه الدنيا طبيعة شاعره ولم يختلج له ضمير بما في الحياة من فرح وجيشان وتعبير. والطير يعد ...هو حجة الطبيعة لشعر الإنسان وغناء الإنسان، فهو عند الشاعر وثيقة لا يعرض عنها ولا يفلتها من بين يديه، فإذا قال الجفاة الجامدون إن الشعر لغو في الحياة قال الشاعر إن التعبير الموسيقي عنصر من عناصر الطبيعة، وإن الطير يغني ويهتف، وإن الطير يفرغ للغناء وحده إذا شبع وأمن، كأن الغناء والتعبير عن الشعور هما غاية الحياة القصوى، لا ينساها الحي إلا لعائق يشغله ويغض من حياته والجفاة الجامدون يقولون كثيراً عن الشعر في الزمن الأخير: يقولونه على الرغم من هذا الشعر الذي تفيض به الطبائع الحية ولا سيما الأحياء المفردة الطائرة، ويقولونه على الرغم من ملازمة الشعر لكل أمة ولكل قبيلة ولكل لغة، فلو كان شيئاً عارضاً في الحياة الإنسانية لما وجد حيث توجد الحياة الإنسانية، ولو كانت الموسيقية نافلة في الدنيا لما وجدت في أمة الطير.
وإذا وجدت في لسان الطائر فلماذا تحرم على لسان الإنسان؟ ولماذا يكون الكلام الإنساني وحده بمعزل عن الأوزان والأشجان، فين الطائر المغرد والشاعر الشادي محالفة طبيعية لا تحنث فيها الطير ولا تقصر في أسداء حصتها الخالدة، والشعر مهما أسلف من ثناء على الطير وتمجيد للتغريد لن يوفي كل دينه ولن يستنفذ كل حصته، فلتكن "هدية الكروان" التي يقدمها عباس محمود العقاد في هذا الكتاب بعض الهدايا التي يتصل بها السبب بين عالم الطير وعالم الشعراء. إقرأ المزيد