تاريخ النشر: 01/07/2021
الناشر: منشورات زمكان
نبذة نيل وفرات:لقد تجسّد زياد الرحباني بشيء آخر غير جسمه الإنساني ، لكان مطرقة ، أو صفعة ، أو قطّ على رفّ مرتفع ، يرمي الأواني الخزفية ، فقط للذّة سماع دويّ ارتطامها بالأرض وإزعاج سكان الكنبات المزخرفة . هكذا يتولّد الجمال من المطارح العاديّة بما يعيد تعريف العاديّ . إن ...قوة هذا اليساري الأخير تكمن في لامبالاته – بالقواعد التي منهجها البشر لترتيب يومياتهم وثرثراتهم ، ذلك أنّ أي جديد يحتاج لجهد دماغي مضاعَف ، بما يستهلك 25 % من طاقة الجسم ، في مقابل 9 % حين نفكر ضمن السياقات الجاهزة . من هنا نستطيع تخيّل نسبة الإرهاق في تلك الكتلة العليا في جحجحة زياد الذي يبرحها ضرباً بمطرقة الحداد ، مبتغياً ليّ البديعة ، طعج البلادة ، وسحق جميع الأساتذة الذين لقّنوه الدروس عنوة في طفولة عاشها مسيّجة بالممنوعات ، حتى من رحلات المدرسة . قبل الهروب الكبير ، تدرّب زياد على الفرار الجزئي ، يترك الباب خلفه مدارياً لينام في منزل عمه الياس ، ثم كبّر الجريمة لينام عند صديقه جوزيف صقر . . إلى أن صفع الباب خلفه ، تاركاً بيت الأساطير . . بفيروزه وعاصيه ، ليقطع كل خطوط التماس ، ويسكن البيوت المستأجرة . . ببرّادات قاحلة إلا من قطعة جبن مستوحدة أو موزة أبو نقطة مسترخية . في خروج زياد من الشرقية نحو الغربية . . انسلاخه من فيلاّ العائلة نحو شقة عادية . . . كان يعيد إنجاب ذاته . . بدأ كبير الأبناء الغرق في ملاهٍ ليلية ، وألف معزوفة مع سيتراك انطلاقاً من خطوات راقصة شرقية ، وفي وقت قصير تشظى شيطا الرحابنة مثل لحظة الإنفجار الكبير . . ليتحدد عزفاً وتأليفاً وتفكيراً وسياسة . . الكثير من السياسة . إذا كانت والدته سفيرتنا إلى النجوم . . فزياد سفيرنا إلى العشوائيات . . الهوامش . . بيوت الصفيح ، مراكز الجوع الكافر . . الصراخ المبرّد في فجوات الجدران . سعى زياد إلى صهر ماركس ولينين وإعادة توزيعهما بلا فلسفة . . أخذ عُصارة النظريات ليعيد إطلاقها على السنة . . رشيد ونور وأدوار وعباس وهاني وكريكور وزكريا . . سنلاحظ أن زياد لا يشرح فكرته في مقابلاته ، يقول ، لكنه لا يأخذ وقتاً ليبرر ويعلّل ، لتقبله أو ترفضه دون تدوير للزوايا . . صعبة هي حالة ذلك الرحباني . . حين يؤلف موسيقاه وليصنع الفرادة . . البصمة . . ولا يهمل الإمتاع . . ولا يتعالى على المزاج العام الذي بقي أسير الكلمة المغناة والممسرحة . الصعوبة تتفاقم حين يصطدم بخبرات العازفين . . فلا يحقق مراده إلا بعد تلف كمية من الأعصاب . . أمضى زياد نصف عمره تحت الأرض ، في استديو معبأ بدخان سجائره التي لا تنطفئ . تلك اللفافات التي ورثها عن عاصي مع آلة البُزُق . مخطئ أنت حين تحاول فهم ذلك الرأس الذي رفض مليون ونصف المليون دولار مقابل تحوّله حكماً في برنامج الهواة ، وفي الوقت عينه يرضى بـ 125 دولاراً كبدل لعزفه الليلي في مطعم . معادلات ترهق زياد في أوقات ، فيفكر بتفريغ رصاصة في رأسه لينهي كل شيء . . مثل إطفاء تلفاز وقت الظهيرة حيث البرامج المعادة . . . في كل مرحلة يتفنن زياد بالإختفاء ، أو الإختباء ، ثم الظهور المباغت كطفل يلعب " الغميضة " ، يطلّ مع لحن لفيروز ، أغنية لسامي حوّاط . . مشروع مسرحية عن عازف أجنبي ، أو موقف سياسي مسنّن [ . . . ] . يستحق زياد الرحباني كتاباً يشبهه . . نصّاً يختزن الظاهر والباطن يتغنى أثر الخطى المغايرة . . ويشعل السؤال ليضيء كهف الإحتمال . من هنا يأتي هذا الكتاب الذي ينصت فيه القارىء إلى سيرة زياد كما يرويها هو بلسانه . . في لعبة رتق لعشرات التصريحات التي أدلى بها في مقابلاته المتلفزة والمسموعة والمكتوبة ، ثم إدراجها في سياق موحّد لتتناسق الحكاية . . وذلك بعد الحفر في أوراق نوتته ، ومفاتيح البيانو المرتجفة تحت أصابعه ، والإيغال في مسرحياته وأغنياته ليكون الكتاب سيرة للذات ونتاجات تلك الذات القلقة . . . إقرأ المزيد