تاريخ النشر: 20/05/2019
الناشر: رياض الريس للكتب والنشر
نبذة نيل وفرات:" لماذا تستخفّين بكلامي ؟ ألا تعرفين أني أعيش في مرارة طوال أشهر بعدك عني ؟ تمر أشهر الشتاء الباردة برتابة وملل . لا أشعر بالسعادة من دونك " . لم آبه لكلامه . أعيش حياتي كالكتاب المفتوح ، ولا داعي لكلام خاص خلف ظهور الآخرين ، أو الهمس ...في أذني عن عواطفه الملتهبة . لا داعي للأسرار . أمامي مستقبل حافل بالتعلم ، وما سيمهد أمامي الطريق لدخول عالم الجامعة . لماذا لا يعي عصام هذه الحقائق ، وخصوصاً أنه يتابع دراسته الجامعية ؟ أضحك من فكرة الزواج في عمر مبكر ، بحسب نصائح أبي وأمي ، ولا داعي للعجلة . راح عصام يصرّ على الإرتباط بي ، يقدم إليّ الهدايا : كتباً وقوارير عطر صغيرة ومناديل وأزهاراً مجففة ، وأحمر شفاه . كنت أضحك مما يسميه غراماً . نعم ، كنت أستسيغ المناقشات الكثيرة التي تدور بيننا في غرفة المعيشة في بيته ، أو تجمعنا أفكار مشتركة عن الأحداث المحلية والعالمية . ونتحاور في الأدب والشعر والفن والموسيقى . هكذا كانت تمر أشهر الصيف ، ثم يأتي من جديد موعد رحيلي مع أسرتي ، وأترك أحبتي ، ينتظرون عودتي في الصيف المقبل ، مع حلول وقت دخولي الجامعة ، ... في السنة التي دخلت فيها الجامعة ، توقف أبي عن العمل الصيفي .. بينما ظلّت رسائل عصام تصل إليّ بانتظام ، ممتلئة بأخباره وأخبار أسرته ، إلى أن جاء يوم انقطعت فيه تماماً ، ثم علمت بأنه هو الآخر تزوج أخت الشاب الذي تزوجته أخته هدى ... لم أحزن على زواج لم يدرج في أولويات حياتي ، فدراستي الجامعية تستنزف مني وقتاً طويلاً وجهداً كبيراً ، كنت أتطلع إلى حياة تأخذني إلى مشارف أوربا : فرنسا أو إيطاليا أو إسبانيا . بذلت جهداً كبيراً في دراستي الجامعية . كان أبي سنداً لي ولأخي حسام في دراستنا ، وتفرّغ لمساعدتنا . فأنا وحسام محظوظان لأن والدنا على درجة عالية من العلم والمعرفة ، وكان يحثنا على المثابرة لتحقيق النجاح سنة بعد أخرى . تخرجنا من الجامعة بدرجات عالية . فور تخرجي بدأت غيوم الهموم تظهر في السماء : أين أجد وظيفة شاغرة وبلدنا يعجّ بالشباب المتعطشين سعياً إلى العمل ، والوظائف شحيحة ؟ كتبت رسائل إلى جميع السفارات الأجنبية ، وحتى العربية ، طلباً لوظيفة مترجمة ، ووصلني الرد تلو الآخر بالرفض والإعتذار ، أنا حديثة التخرّج وعديمة الخبرة ، وعازفة عن التدريس لكثرة ما سمعت من الشكاوى عن مصاعب هذه المهنة ، لكني رضخت في النهاية للأمر الواقع ، وقبلت بنصيحة أبي بالإنضمام إلى قطاع التعليم المدرسي ، ذهبت إلى وزارة التعليم لأسجل إسمي مدرّسة ، فدلوني على الدائرة المسؤولة عن توظيف المدرّسين وإجراءات قبولهم . سحب المسؤول من الدرج لائحة ، ونظر إلى الأسماء المدرجة : " غنوة قرطاس ، أليس كذلك ؟ بنت الأستاذ يوسف قرطاس خبير اللغة العربية ؟ " تفاجأت من سؤاله وقلت : " نعم غنوة قرطاس " . " إسمك مدرج في سجل الوزارة بين المدرّسين المؤهلين للعمل في الخارج " . تسمرت في مكاني وتطلعت إلى وجه الرجل بتمعن ، وكلّي شك في ما سمعته منه . هززت رأسي بالموافقة ، على الرغم من أني ما زلت غير مصدقة ، وسألته : " إلى أين سأبعث ؟ " . " لم نُعطَ معلومات عن المكان . الوزارة سترسل إليك رسالة بهذا الخصوص . إستعدّي للسفر . أهدي سلامي إلى أبيك العزيز " . ترجع مذكراتها إلى الوراء مدركة بأنها لم تكن تدري بما يخبئه لها القدر في مسيرة حياتها ... بين صعود وهبوط .. ودروب ملتوية ومستقيمة .. لم تكن تعرف ما سيواجهها بعد التخرج من الجامعة ، وما دورها في الحياة العملية ، ولا الطرق التي ستسلكها .. وأي وظيفة أو مهنة ستكون قدرها ؛ .. كانت الأحوج إلى بصيرة تخترق الواقع ، وتكشف ما يخبئه لها المستقبل . كانت تتمتع بحماسة تُحسد عليها ، وتتفاعل مع الحياة بلا وجل .. تدفعها غريزة الأمل النابض إلى تحقيق النجاح ، تشدّها أسرتها من عزائمها ، ويدفعها المجتمع إلى ما لا قدرة لها على منهجه أو السيطرة عليه .. كانت تنجذب إلى الإختلاف في أي شيء لا يشبهها ولا يماثلها .. كان الجديد هو ما تسعى إليه .. ولو كان فيه احتراقها .. الفكرة المبدعة توسع إدراكها وتزيد معرفتها .. ذلك كله شكّل جزءاً من شخصيتها والذي حمل لها في استدراجاته كمّاً هائلاً من المعاناة والعذاب التي تعبّر عن وجهات نظرها دون وجل . التدريس إلى هناك . أحداث وسرديات تشدك إليها كما يشدك سحر عُمان بعراقة تاريخها وثقافتها .. وتسير حياتها بين صعود وهبوط .. لتصل في نهاية المطاف إلى حقيقة مفادها أن دروب الحياة وعرة ... ولا بد أنها أكبر مدرسة تتخرج منها . إقرأ المزيد