دلالات الأصوات في قصائد بدر شاكر السياب
(0)    
المرتبة: 128,399
تاريخ النشر: 18/10/2018
الناشر: كتابنا للنشر
نبذة نيل وفرات:يشتمل التراث على جميع الفنون والآداب والقيم الإجتماعية الحضرية بكل مشتقاتها التي خلّفتها الأجيال الماضية، وهو مسيرة لتاريخ شعب بكل ما تحتويه من أصالة نقلتها الأجيال.
يتجلى عالم الأصوات في معالم الحياة العراقية، ولا نجد ديوان شاعر عراقي إلا ويحفل بالقصائد المغنّاة التي تتوزع على أقسام الأدب الشعبي وأنواعه، وتداخل ...الصوت مع الحركة في ما يعرف برقصة "الجوبي"، وهي رقصة الرجال في إحتفالات الأعراض وقد تشاركهم بعض النساء.
ويلتقي عالم الصوت الحركة لتتبلور الصورة الفنية... وتكثر الأمثلة في التاريخ العراقي عن الموسيقى والرقص والعادات الشعبية... ويساعد هذا التحليل على الدخول إلى عمق المجتمع العراقي، ومنه إختراق عالم بدر شاكر السيّاب الموسيقيّ، إنطلاقاً من البداية الأولى وهي زراعة النخيل (حركة التخيل علامة صوتية بارزة في قصائده).
هذا ويحفل ديوان السيّاب بالأصوات الخارجية الرنانة، إنطلاقاً فن ذكريات الطفولة وصولاً إلى النهاية المؤلمة، ففي قصائده، قاموس شامل يشرح المصطلحات المتعلقة بصوت الأم أو ما يعرف بالمناغاة، إنطلاقاً من هذا تبرز الإنطلاقة الأولى في عالم شاعر غابت عنه والداته وهو في السادسة من عمره، ولم يكن يفهم معنى الموت بعد، لكنه شعر بألم غامض كان يوقظه ليلاً ليسأل عن أمه فيقال له ستعود غداً، "سرت عبر حقل من السنبل... وهسهسة الخبز في يوم عيد... وغمغمة الأم بإسم الوليد... تناغيه في يومه الأول"، اليوم الأول أي العدد (1)، وهو في الرمز يملك شكلاً وحجماً وإتجاهاً، وهي خصائص رمزية ترتبط بفكرة الأفقية والتفوق ولا يمكن بدونه لأي حدث أن يتمظهر، فهو يرمز إلى الشمس، والعمود، والسيف، ومن حيث دوره الرياديّ، يحتاج الواحد إلى الأعداد الباقية، كما تحتاج الأعداد الأخرى إليه.
وبالنسبة للغمغمة: الأم / الواحد/ الكل، تصبح معادلة تشكل شبكة علاقات أحادية، لا تتجزأ ولا تتمثل، وهي تحوط حياة ولدها بالكامل، وقد كثرت الشواهد في قصائد السياب حول الغمغمة، وهي صوت الرضيع على ثدي أمه، وصولاً إلى صراخ الطفل، وهي السبيل الوحيد إلى التعبير عن تعلقه بوالدته وحاجته إليها.
وبالنسبة لوقع الخطى، ويعرف بالكَدَمَة، الصوت الخارجي الذي يصور واقع الحال: "الليل والسوق القديم... خفتت به الأصوات إلا غمغمات العابرين في ذلك الليل البهيم" وهي رقصة الطبيعة التّامسة جسّدها السّياب بحركة يقابلها سكون: الليل - السوق القديم - الأصوات - الفعل (خفتت) - غمغمات العابرين - خطى الغريب - نغم حزين - الليل.
فالليل وعاء خارجي، يحتوي حركة داخلية ثائرة خَفَتَ وقعها بفعل الحزن والظلم، وحظى الغريب عملية هبوط مؤقتة في مكان لا يعني للمارين شيئاً، وهذا ما ساعد في تكامل عناصر المشهديين الأسماء والأفعال... لطالما تحدث الأدباء، واعتلى المفكرون المنابر، ليصوروا عالم السيّاب الرومنسي، والعقلاني، والصوفيّ أحياناً، وليكثروا اللكام عن إلتزامه السياسي وحسّه النقدي وعوالمه المتقلبة.
أما الموروث الشعبي عند السياب، فقد أثار إهتمام الباحثة؛ لأن الأدب الشعبي بشكل عام ينبعث من تربة الوطن الندية المحضبة بالحسّ المرهن، إنه اسم على مسمّى، يمسح جباه الأجداد المثقلة بركام الأيام، ويجمع قطرات العرق على قناديل الأزمنة... هو لوحة صافية تخلو من شوائب السياسة، وأنانية العددّ، وقرصنة المتسلط، ترسمها جماليات الأم التي طبعت حياته بحضارة ريفيّة قلّ الحديث عنها.
وإلى هذا، فإن دلالة الأصوات إنما يمثل جزء بسيط من الادب الشعبي، وهو موضوع الدراسة، وقد اختارته الباحثة لكونه يكشف النقاب عن تحليل موسيقي متحرك يضاف إلى ما كتب عن الشاعر السيّاب في مجالات ابتعدت عن هذا المحور.
وعند الحديث عن دراسة الأصوات، يتبادر إلى الذهن الألسنية، والننيومة، والتفكيكية، والمناهج النقدية اللغوية، إلا أن الباحثة، وفي دراستها هذه، عمدت إلى توزيع الأصوات بحسب منهج موضوعاتيّ يعزّز الدراسات في الأدب الشعبي.
وقد توزعت أقسام الموضوعات على الشكل الآتي: 1-أصوات الإنسان، 2-أصوات الحيوانات، 3-أصوات الطبيعة، 4-الموسيقى، 5-أصوات الأشياء، وقد ارتبط كل نوع بصيغة أدبية ربيفية رسمت حياة الشاعر العراقي السياب، وما أدبه سوى رسالة خالدة وضعت نتاجه في خانة الشعر الحرّ: هذا وبعد مرحلة توزيع الأحداث بسبب التحليل الموضوعاتيّ، عمدت إلى تحليل الصوت بحسب المفهوم الشعبي، إنطلاقاً من التراث الأدبي العراقي وما يعنيه في قلب الحادثة. إقرأ المزيد