الألوان ودلالاتها وعلاقتها بحركة الزمن من خلال قصيدة محمد الماغوط 'حزن في ضوء القمر '
(0)    
المرتبة: 69,961
تاريخ النشر: 18/10/2018
الناشر: كتابنا للنشر
نبذة نيل وفرات:حزنٌ في ضوء القمر... أيها الربيع المقبل من عينها... أيها الكناريّ المسافر في ضوء القمر.. خذني إليها، قصيدة غرامٍ أو طعنة خنجر... فأنا متشردٌ وجريحٌ أحبّ المطر وأنين الأمواج البعيدة... من أعماق النوم أستيقظ... لأفكر... قل لحبيبتي ليلى... إنني مريضٌ ومشتاقٌ إليها... إنني ألمح آثار أقدام على قلبي... دمشق ...يا عربة السبايا الوردية... وأنا راقدٌ في غرفتي أكتب وأحلم وأرنو إلى المارّة من قلب السماء العالية... أسمع وجيب لحمك العاري... عشرون عاماً ونحن ندق أبوابك الصلدة... والمطر يتساقط على ثيابنا... وأطفالنا... ووجوهنا المختنقة بالسّعال الجارح... تبدو حزينة كالوداع.... صفراء كالسلّ... ورياح البراري الموحشة تنقل نواحنا... إلى الأزقة وباعة الخبز والجواسيس... ونحن تعدو كالخيول الوحشية على صفحات التاريخ... نبكي ونرتجف... وخلف أقدامنا المعقوفة تمضي الرياح والسنابل البرتقالية... وافترقنا... وفي عينيك الباردتين تنوح عاصفة من النجوم المهرولة...
في قصيدته كما ترى الباحثة، تتداخل الألوان لترسم صورة واضحة عن أفكاره، محمد الماغوط، وهذه الألوان وإن كانت تمثل والطمأنينة، فهي ليست بالضرورة شاهداً على صورة إيجابية، على سبيل المثال: اللون الأصفر الذي يشير إلى النار والنور، وهي رموز مقدسته كونية، ترتبط بفعل التجديد والتطهير، كما حدث مع تلامذة المسيح في علّية صهيون عندما لمستهم ألسنة النار، فانطلقوا يجوبون الأرض بلغات مختلفة، لكن الشاعر ربط اللون الذهبي المشعّ بمرض السلّ المخيف، ووجوهنا المختنقة بالسعال الجارح... تبدو حزينة كالوداع صفراء كالسلّ"، تتطور إنعكاسات الألوان بحسب حالة الخلق الأولى والحدث الأصلي.
وبالعودة إلى القصيدة، فاللون الأحمر هو لون العظمة، والقوة، والإنتصار، والحب، لكن من خلال إرتباطه أيضاً بصورة الجحيم، تراه يمثل الأنانية، والحقد، وألوان الشرّ، هذا ما يتكرر بمشهدية مترنحة بين السكر والنشوة من خلال صورة الخمرة، وصورة الظلم نتيجة السبي والقتل والعنف والإضطهاد: "خذني إليها... قصيدة غرام، أو طعنة خنجر...".
أما البراري، فقد ربطت اللون الأخضر المريح، وهو رمز التجدد الروحيّ، بحركة ريح وحشية تحطّم كل ما تراه، وقد تحولت صوب الأشخاص واستقرت في الأمكنة، بعدما كانت مطلقة تتمايل بحرية: "رياح البراري الموحشة.... تنقل نواحنا... إلى الأزقة وساعة الخبز والجواسيس".
وهنا تضيف الباحثة: كان من الممكن ربط ألوان الطبيعة بمحاولة هروب رومنسية، لكن الألوان تبدلت بحسب حركة الأبيات التي تتوزع بين ساكنة وثائرة، وهذا ما يتجلى من خلال الأفعال (تنقل - تعدو- ترتجف...)...
اللون حركة مشهدية تبدل طبيعة الأجسام، وترتبط بفكرة ظهور الضوء، بخاصة اللون الأبيض الذي يعدّ أساس الألوان (نظرية نيوتن)، وقد دخلت فكرة الألوان في الحضارات القديمة، حتى تم تصنيف مراتب الأفراد بحسب ألوان ملابسها بخاصة اللون الأحمر، وقد لعبت الالوان دورها البارز في التحليل النفسي، ودخلت في العلاجات ودراسة الأنماط السلوكية...
من هذا المنطلق اختارت الباحثة موضوع الألوان عند محمد الماغوط، لإكتشافها تأثيرها في سايكولوجيا الإنسان في قصيدة "حزنٌ في ضوء القمر".
وتشير الباحثة أنه من اللافت تحول اللون من دلالته المشرقة أحياناً إلى دلالات عنيفة وقاسية، وهذا ما استشفته في دراستها هذه، وضيفة بأن قراءة الألوان تحدد مسار المجتمع العربي، وترسم خيوط المستقبل على الرغم من قسوة الماضي في حياة الشاعر... هي رسالته أو طريقته في التعبير وصولاً إلى بنية كبرى متحوّلة (لغوياً - دلالياً). إقرأ المزيد