تاريخ النشر: 13/09/2018
الناشر: دار المدى للطباعة والنشر والتوزيع
نبذة الناشر:حين كان بسّام فرج قريباً ، على مبعدة خطوات منّي ، كانت الهواجس الأمنية ، وأنا في حالة مطاردة ، في ستينيات القرن الماضي ، تمنعني من التحوّل إليه في مقهى المعقدين ، وهو يستغرق في مناقشات ذلك الزمن التي كانت تطغى عليها وجودية سارتر وكولن ولسن وتمرّدات هيبيي حي ...سوهو ، لكن انشغالات روّاد المقهى كانت محاولات مهمومة بالبحث عن بدائل قيمية ، لتجاوز سقوط الأمل والمرتجى الذي ارتبط بالأحلام الكبيرة التي ظلت تستنهض الملايين عبر عقود ، وتمد المبدعين العراقيين بالأفكار برهافة خلاّقة ، وتستحثهم للتعبير عن ذلك الأمل والتشوّف ، قصائدَ ورسومات وقصص وروايات ، ونماذج تشكل مصادر للنهوض والتوثّب والعبور إلى المستقبل الحُلم " جنة لله على الأرض . "
كان انكسار الحلم في 8 شباط 1963 همّاً مؤرقاً ، واستباحة للكرامة الإنسانية ، وتسقيط الإرادة . كان المثقفون على اختلاف ميادين إبداعهم هدف ووسيلة لإشاعة الخراب والتشوّه في المجتمع وانتزاع ذاكرة الأمل من وجدانه .
وتلك كانت اللحظة الفارقة التي طبعت تاريخ العراق ، وفكّكت مكامن قوته ومصادرها ، واستدرجته حتى الآن ، وإلى أن تكتمل دورة الخراب والإنحطاط وتحيّن لحظة الإنبعاث من جديد .. تكوّرت أقدارنا وتنمّلت منابع قوتنا وعنفواننا وتكررت كبواتنا ، وفي مسارات واحدة منها ، أوائل سبعبنيات القرن الماضي ، كان بسام فرج يبحث عن ذاته ، في محاولات متفوقة اختراق عيون الأطفال وملامسة شغاف قلوبهم للتسلّل إلى ذاكرتهم وهي في طور التكوين ، ولم تكن المحاولات وهي تجد تعبيرها في رسوم تغطي مساحة من القصص والحكايات للأطفال ، بلا حساسيات تنفذ إليها عيون عسس نظام البعث . لكن الفنان كبر على محاورة الأطفال ، ومن دون أن يهجرها ، انتقل إلى حوار الكبار ، فكانت فرصته ليكتشف مساحة مضيئة لامعة له في عالم الكاركتير ، وهو عالمٌ " خدّاعٌ " يوهم كما لونه " سهل غير ممتنع " على كل من يريد ، طفلاً كان أم كبيراً تتمتع عليه طاقة الرسم .. إنها في نهاية المطاف مجرد خطوط ورسوم وتقاطيع لا تخضع لمعايير الرسم الأكاديمية وفنونها .. ولأنها لغة الخطوط وانحناءات البوح التي تتسلل بذكاء وتستعصي على رصد الرقابة وعيون الرقابة ، تشكّلت لغة بسّام فرج بكل قوتها ودلالاتها وطاقة الإبداع والخلق المبتكر فيها من قيمه الفكرية والإنسانية وانتمائه إليها . ورغم وجوده الجسدي على بعد آلاف الكيلومترات عن وطنه ، يلتقط كل يوم أبرز ما في المشهد العراقي ويطوّعه لريشته لتتخذ لها أعمق معنى ودلالة ، وأوضح تجلٍّ عن اللوعة العراقية ومكنوناتها ومرتجاها في الآمال المبدّدة .
كل صباح أتضفح الزاوية العليا في أخيرة " المدى " ، لألتقط ما فاتني من المشهد العراقي بريشة ولغة بسام فرج فاستعيد ذكرى أبو سعيد وأبو كاطع ومؤيد نعمة .. إقرأ المزيد