إمبراطوريات البحر ؛ السيطرة على البحر الأبيض المتوسط في عهد العثمانيين 1521 - 1580
(0)    
المرتبة: 24,053
تاريخ النشر: 01/01/2018
الناشر: دار العلم للملايين
نبذة نيل وفرات:يقول المؤلف في مقدمة كتابه: قبل خمسمئة عام، خبر الناس البحر بشكل مختلف، فقد كانت شواطئه سواحل يسودها الجوع، أقفرت في وقت مبكر من الأشجار والتربة، بسبب الرجال والمعز.
وفي القرن الرابع عشر، قدمت جزيرة كويت لدانتي صورة عن الخراب البيئي، فقد كتب: "وسط البحر تقبع أرض قاحلة، كانت فيما ...مضى تعرف السعادة بما فيها من ماء وحضر، في حين أصبحت الآن صحراء"، والبحر أيضاً عاقر.
وكان البحر الأبيض المتوسط قد تشكل من مجموعة إنهيارات جيولوجية دراماتيكية بحيث إن المياه الخلابة الشفافة عند أطرافه تغوص إلى أعماق قصوى تصلح فقط للغواصات، وما من منصّات أوروبية لتضاهي مناطق الصيد الغنية في نيوفاوندلافد أو بحر الشمال، ولأولئك الذين كانوا يعيشون عند الشواطئ، فإن ملايين الأميال المربعة من المياه مقسمة إلى عشرات المناطق المفصلة: لكل واحدة منها رياحها الخاصة بها، وتعرجاتها الساحلية، وجزرها المبعثرة.
وكانت هذه المياه شاسعة، ومستعصية، وخطرة في آنٍ واحد، وكبيرة جداً إلى درجة أن تصفى البحر الأبيض المتوسط شكلاً عالمين مختلفين تماماً، وقد تطلب الأمر شهرين من سفينة مبحرة للقيام برحلة من مرسيليا إلى كريت في مناخ جيد، وسنة أشهر في مكان سيء.
كانت السفن غير صالحة للإبحار، كانت العواصف مفاجئة وغادرة، ولكثرة القراصنة؛ كان البحارة عموماً يفضّلون التجول حول الأطراف الساحلية بدل عبور المياه المفتوحة، حيث يتربص الخطر بالسفن: فما من شخص عاقل سيتجرأ على صعود درج السفينة من دون تسليم روحه للخالق، كان البحر الأبيض المتوسط بحراً تكتنفه المتاعب، وبعد عام 1453، أصبح مركزاً لحروب ذلك العالم.
حاول المؤلف من خلال تلك المقدمة إعطاء القارئ صورة عن تلك المنطقة في البحر الأبيض المتوسط والتي شهدت فيما بعد - أي بعد العام 1453م، أشرس المواجهات بين أصحاب الديانتين المسيحية والإسلامية (كما يصفها المؤلف) والتي عدّها أكثر الحروب تخريباً وتدميراً في التاريخ الأوروبي، حيث توالت المعارك بشكل أعمى فوق المياه لما يزيد على قرنٍ من الزمن.
مضيفاً بأن المناوشات الإفتتاحية وحدها (والتي يمكن العثمانيون خلالها من هزم البندقية) استمرت خمسين عاماً، واتخذت أشكالاً عدة: حروب إستنزاف إقتصادية صغيرة، وغارات قراصنة بإسم الدين، وهجمات على الحصون الساحلية والموانئ، وعمليات حصار للمعاقل في كبريات الجزر، مبيناً أنه نادراً ما تم الخوض في بعض المعارك البحرية الملحمية.
مضيفاً بأن هذا الصراع استهدف الدول وجماعات المصالح الخاصة التي تحدّ مياهها كافة: الأتراك، اليونانيون، وسكان شمال أفريقيا، والأسبان، والإيطاليين، والفرنسيين، وسكان البحر الإدرياتيكي، والساحل الدلماسي، تجّاراً إمبرياليين، وقراصنة، ومجاهدين، كلهم حاربوا في ظل تحالفات متغيرة لحماية العقيدة، أو التجارة، أو الإمبراطورية؛ لا أحد بينهم كان بإمكانه أن يرفع علماً محايداً لمدة طويلة، على الرغم من أن الفينيسيين حاولوا ذلك بصعوبة...
وهكذا يحاول المؤلف سرد الإمبراطوريات التي تتابعت على منطقة البحر المتوسط في عهد العثمانيين والتي امتدت من العام 1521م إلى العام 1580م، يسردها بشكل ممتع، إذ هو نجح في تحويل أحداث حصلت قبل 500 عام إلى مشهد مثير، مستحضراً الدخان، وصخب المعارك، كما استرسل في وصف مكائد سياسات القرون الوسطى، كاشفاً عن منهجه لطبيعة تعرف الرجال، وتحركات المدّ والجزر ببراعة، كأي من المحاربين (القراصنة) العثمانيين أو المسيحيين الذين كتب عنهم بدراية ومتعة.
وأخيراً يمكن القول بأن كتاب "إمبراطوريات البحر" إنما يمثل قوة سرد مدهشة، ومقاربة عادلة للحروب المردّعة التي قاساها المسيحيون كما المسلمون على حدٍّ سواء. إقرأ المزيد