أوراق - العدد السابع 2016
تاريخ النشر: 01/01/2016
الناشر: منشورات المتوسط
نبذة نيل وفرات:"وقف وسط غابة من الخرائب صنعتها أطنان من البراميل المتفجرة وصواريخ الطائرات الروسية، وانصهر ذراعه حتى تحول إلى قطعة من المعدن التحقت بجسد المدفع الذي يمسك به وهو ينتظر قطيعاً من الفرائس الجديدة...
التفت يساراً حيث تتراص كومة من الخرائب الخرسانية صنعت لوحة سريالية مرعبة، هناك انسحق جسد زوجته وطفلته ...الرضيعة منذ سنوات، كانتا تنامان بعد وجبة عشاء بسيطة وقت أن مرت تلك الطائرة فوق منزلها، نجا هو بأعجوبة ما ولكنه لا زال يذكر كل التفاصيل، طرد الذكرى سريعاً من رأسه لتتحول أنفاسه إلى مجموعة من النبضات الآلية المنتظمة، فعليه الآن رغم كل شيء أن يمنح هؤلاء تذكرة إلى جهنم.
لم يشغل باله كثيراً بالطائرات فأخوته المتناثرين في باقي تلال الخرائب سيتعاملون معها، ولم تكن تلك هي المرة الأولى، على بعد أمتار يقف رفيقه الأكبر سناً يراقب تقدم العدد نحو المصيدة، في لحظة ما سيعطيه الإشارة المتفق عليها، خلفه يتعالى صوت إخباري ما من مذياع تضيع نصف الأصوات المنبعثة منه وسط أصوات القذائف.
أصوات رفاقه يجهزون سلاحاً ما، أحدهم يقرأ في مصحفه الصغير في خشوع، عائلته الجديدة التي لم يعرف غيرها منذ سنوات، هذا من الشيشان، وهذا من المدينة، وهذا... وهذا... وهذا... الكل أصبحوا عائلة صغيرة متماسكة منذ فترة لا يذكرها... ميتون في الخنادق نفسها، ويتشاركون الطعام نفسه انتظر كصياد صبور لحظة توقف الدبابات بينما تصدم أنصاف الجمل المنبعثة من المذياع بأذنه "الرياض - دولة مدنية - طرد المقاتلين الأجانب - إرهاب - مفاوضات - إنتخابات رئاسية.
خليط من الأفكار سرى في عقله في تلك اللحظة، كان ينتظر إقتراب فريسته، ارتسمت على وجهه إبتسامة ساخرة، أي دولة وأي مفاوضات، سيرد عليهم عما قليل، الآن هتف رفيقه الأكبر سناً، ضغط زر الإطلاق في لهفة، وراقب عمود الحوت الصامت المنطلق بإتجاه الدبابة.
ثوانٍ ويتحول جميع من فيها إلى كتل من النيران، صوت إنفجار هائل، فوضى وكرة غير منتظمة من اللهب الأحمر والدخان، من داخل كرة اللهب، تساقط شبح آدمي تلُفّ جسده قطع من النار واللهب، صمت المشهد تماماً إلا من صيحات الله أكبر التي انبعثت تلقائياً من حناجر الجميع.
على الناحية الأخرى أكمل الجسد المشتعل سقوطه واختفت الدبابة خلف سحب من اللون الأحمر المستعل، صوت الإنفجار المكتوم ثم صوت الدخان واللهب، سمع أصوات صراخهم في عقله، ذكرته أصواتهم التي لم يسمعها بتلك الرواية التي قرأها منذ سنوات عن الشياطين عن الشياطين التي تصرخ وهي تحرق بنيران الجحيم... سرح خياله... هكذا عندما تندلع الحروب ليس من خاسر سوى المواطن الذي يخسر وطنه... ويخسر نفسه...
تحاول آيات عرابي تصوير حالة مقاتل في حرب مثارة دفع هو ثمنها، مردداً "ما لنا غيرك يا الله" وهو العنوان الذي حملته هذه القصة الصغيرة... هي صغيرة وسعت هواجس ومخاوف والآم مقاتل... وكبيرة بحيث سلطت الضوء على ما يجري في تلك الحرب التي سرحها الأراضي السورية...
تأتي هذه القصة في خضم قصص... بل لنقل أوراقاً في مجلة أوراق في عددها السابع... تلك الأوراق هي بمثابة ملف يسائل التطورات الحاصلة في السرد الروائي والقصص، في توازيها مع إنفجار الثورات العربية، تضمن هذا الملف إلى جانب قصة آيات عرابي نصوصاً إبداعية مهمة بينها فصل من الروائي العراقي علي بدر، كما تضمن قصصاً أولها للكاتب الشاب عديّ الزغبي، وأحمد إسماعيل إسماعيل، وفي باب الدراسات يقدم جمال مامو دراسة فنية لرواية "السوريون الأعداء" لفواز حداد.
وفي ردّ مجموعة من الكتاب السوريين على أسئلة من المجلة تتعلق بالملف الآنف الذر كتب أنور بدر تحت عنوان "كتابة الراهن من الأحداث" مستعرضاً عدداً من الروايات السورية التي صدر بعد الثورات العربية... إلى ما هنالك من مسائل وقضايا وقصص تضمنها هذا الملف لهذا العدد السابع الذي أنهته أوراق بأربعة نصوص إبداعية للكاتب المسرحي جاد الله جباعي وللشاعر والكاتب التونسي محمد جميح، وللشاعرين وائل سعد الدين وتمكين مراد. إقرأ المزيد