تاريخ النشر: 22/12/2015
الناشر: المؤسسة العربية للدراسات والنشر
نبذة نيل وفرات:"شربت قهوة؟ سألني ولم ينتظر الإجابة بل توجّه إلى المطبخ وأعدّ فنجانين من الإسبريسو.. الكتب تحدّق من كلّ جانب، أعمال كتّاب الداخل تحتل حيزاً معتبراً على الرفوف: إميل حبيبي، محمود درويش، سميح القاسم، وكذلك روايات ودواوين شعرية لكتّاب عرب من المحيط إلى الخليج. شو حبيبنا جاهز للأمسية؟ ضحكت. أنا ...دايماً جاهز، برتجل في العادة. يعني مش محضّر لخطبة عصماء لأول لقاء إلك بأهل حيفا؟ ضحكة أخرى. أبداً، لازم أشوفهم، أتأمل في وجوههم، وبعدي بيجي الحكي بعفوية.
.....كيف كانت رحلتك؟ غلبوك في المطار؟ دخلت مطار تل أبيب (الله سابقاً) مستخدماً جواز سفري البريطاني. الطائرة المتّجهة من زيوريخ إلى تل أبيب كانت مكتظّة بيهوديين جاؤوا لقضاء عيد الفصح اليهودي مع عائلاتهم. قلت في نفسي ما أقوله عادة حين أجد نفسي وسط متدينين من أتباع أي ديانة "لكم دينكم ولي حياتي".
قبل أن تُغلَق أبواب الطائرة بدقائق، جلست إلى جانبي صبية فرنسية، يهودية هي الأخرى, كما اتضح لاحقاً، لكنها علمانية، كما اتضح بعد أول استفزاز من المتدينين. العائلة التي تجلس أمامنا قررت أن "تأخذ راحتها" في الكراسي، غير آبهة لراحة من يجلس خلفها. دفعت كراسيها فقفزت فجأة واصطدمت بركبتي وركبة "إزي". حين عبّرنا عن صدمتنا تنطح الرجل والمرأة أمامنا لإقناعنا أن هذا حقهم، وأنّ بإمكاننا أن نعمل الشيء نفسه ....
ضحكنا من الأعماق على عبثية الوضع، ثم افترقنا من مطار "بن غوريون كغريبين".
هي توجهت إلى صف الإسرائيليين، وأنا توجهت إلى صف "الغرباء". هي ارتدت وجهها الآخر واستدعت لغتها الأخرى، واختفت في لحظات، متابعة رحلة سلسة إلى منزل عائلتها في مكان ما من بلدي، وأنا دخلت في دوامة التاريخ والسياسة والصراع على الحق في تنفس الهواء المشبع بانفاس أجدادي وزفرتُ ألمهم.
دخلت مطار تل أبيب مستخدماً جواز سفري البريطاني، فهل خَلْع ثوبي الفلسطيني والاستجارة بامتيازات تتيحها الجنسية الأوروبية التي حصلت عليها مؤخراً سيجعل الأمور أسهل؟ أبداً؟ في البداية كان علي أن أخوض معركة مع ذاتي لإقناعها بارتداء جلدي البراغماتي: أنا في النهاية بصدد دخول معركتين؛ إحداهما كبيرة والأخرى صغيرة. المعركة الكبيرة هي الإصرار على حقي في دخول بلدي، وهو حق يحلم به الملايين من أبناء وطني ولا يحصلون عليه. أمّا المعركة الصغيرة فهي: هل أصبر على الإعلان عن هويتي ودفع ثمن ذلك؟ في النهاية اخترت تجنّب المواجهة من أجل كسب معركتي الكبيرة. سأدخل بلدي، وإن بجلد سائح بريطاني. لن يكون سهلأً إقناع موظف الأمن في مطار بن غوريون، الذي سيقرع اسمي العربي كل أجراس الإنذار في داخله. هل هذه زيارتك الأولى إلى اسرائيل؟ لا. كم مرة زرتها؟ مرات عديدة. هل لك عائلة هنا؟ لا. لماذا تكثر من زيارة اسرائيل إذن؟ أنا صحفي وهذا جزء من عملي. هل أنت في مهمة صحفية؟ نعم. ماهي؟ إجراء أبحاث لفيلم وثائقي أعدّه.
أخذ جواز سفري وغادر، انتظرت ربع ساعة، ثم جاءت امرأة ثلاثينية ذات شعر قصير أحمر حاملة جواز سفري. كان وجهها مربّداً، ونظراتها عدوانية. بتعرف عربي؟ آه طبعاً. طبعاً؟ كيف؟ من وين؟ أنا عربي، مش شايفة اسمي؟ وين انولدت؟ في الأردن. شو هدف الزيارة؟ أنا صحفي و أعدّ لفيلم وثائقي. شو يعني تعدّ؟ شو رح تعمل في اسرائيل بالزبط؟ أنا في طور الأبحاث. رح تشوف ناس يعني؟ أكيد. فلسطينيين؟ واسرائيليين وسامريين. سامريين كمان؟ ليش؟ الفيلم عنهم. استنى شوي. ربع ساعة أخرى، ثم جاء رجل أمن ثالث، يتحدث العربية بطلاقة سابِقَتِه لكن دون لكنتها العبرية. زيارة للأهل؟ لا. شغل.... يدورون حول نفس النقطة. أما أنا فيجب أن أفوت عليهم الفرصة. لو عرفوا أن لي عائلة في الضفة الغربية لما سمحوا لي بالدخول باستخدام جواز السفر البريطاني، وجوده بحوزتي سيعيق قليلاً قدرتهم على تقييد حركتي... ما إلك أهل هون؟ لا. وين رح تسكن؟ في فندق طبعاً..."
كاتب وحكاية الفلسطيني المقهور لا تنتهي فصولها ولا زمانها.. حاضرة في الغياب.. وغائبة في الحضور.. كاتب يرحل عبر رواياته إلى وطن محرّم عليه.. وقصة تغزل خيوطها عذابات.. وأحزان... ولوعة اشتياق لوطن يحضن أمّاً وفتاة جاءت من الحلم.. وغابت بعد أن غدت توأم الروح... فتاة غريبة الأطوار جاء عليه القدر بها... أشاعت نسمات ربيعية في عمره القائظ... وهو الراحل دائماً وأبداً وراء موطنه... مسقط رأسه الضفة الغربية التي أصبحت محرّمة عليه... لا يهمني شيء الآن سوى الوصول إلى أمّي، عاد الحزن يلف كياني، أمي كلما ابتعد بكِ الغياب اقتربتِ في الذكريات. شردتني الحياة خارج ملكوتك والروح لم تبلغ الفطام بعد، وابتلعني صقيع الغربة وانا بعد أزداد تشبثاً بدفء يشعه كيانك في المكان [...]
تتداخل الاحداث... و هاهو منير الروائي الشخصية المحورية يغرق في حزن عميق عميق.. عمق جراحة التي خلفتها سمر وأولاً أمه التي لم غادرته إلى الأبد بعد أن قبضوا عليه وهو يحاول الدخول الى الضفة... ونأت سمر مرغمة بعد أن رفض أبوها منير لأنه .... من الضفّة، ينسج الروائي حكايته بتأنٍ كاشفاً عن الممارسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين ... ومجتمع فلسطيني ينوء بعبء ثقيل ... ثقيل ... ثقيل. إقرأ المزيد