بين الحاكمية والإمرة ؛ الحكم في الإسلام شأن دنيوي
(0)    
المرتبة: 287,792
تاريخ النشر: 04/01/2016
الناشر: دار الرسل للطباعة والنشر والتوزيع
نبذة نيل وفرات:في كتابه هذا، يثير الدكتور حسن العاشور قضايا سجالية لم ينتهِ الحديث عنها إلى اليوم حول مفهوم الحكم في الإسلام، تشكل في مجملها وجهة نظر الكاتب حول الموضوع وتدور "بين الحاكمية والإمرة" للقول أن "الحكم في الإسلام شأن دينوي".
يقول العاشور: "إن ما أزمع مناقشته في هذا الكتاب ...هو خلافة الحكم، وليس الإمامة الدينية، منطلقاً من أوضاع الأمة المتردية، وصراعها المرير، المتمحور حول الخلافة والحكم، الذي يفرز على الدوام تيارات متطرفة (...) وتحت تأثير الفتاوى المتناقضة، التي لا تمتلك سوى مشروعية طائفية، تخرج على الدين فتقوض بنيانه، هذه المذهبية الرائدة قد تلاشت إيجابيتها أمام طائفة مقيتة، تعلن صراحة امتلاكها للمعرفة الكاملة، فتلغي كل مستويات الفهم، وتنسف كل زوايا النظر إلى الحقيقة، إلا زاويتها التي تحجّم الحقيقة، وتجهظ فاعليتها، وتصادر حراكها الحضاري ...". ووفقاً لهذا الفهم المتكامل عن الغاية من الحكم في الإسلام لم يتناول الكاتب موضوعة الإمامة الدينية، ولا خلافة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما اراد "بحث الخلافة بمعنى الحكم، التي كانت أول الأمر إمارة، ثم أطلق عليها فيما بعد خلافة رسول الله صلى الله عليه وسلم" . وفي هذا السياق يدعم الكاتب أفكاره بما ورد في كتاب "الإسلام وأصول الحكم، للشيخ الأزهري علي عبد الرازق، واقوال الطبري لما قاله الإمام الحسين رضي الله عنه مخاطباً شيعته ... ثم يستدل بكتاب الله القرآن الكريم في قوله تعالى: "وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ..." ويستشهد أيضاً بنماذج من الحكم في الإسلام بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم الخلفاء الراشدون؛ وصولاً إلى الحكام الدنيويون. نبذة الناشر:شكّل الإسلام نقلة تاريخية عظيمة، حدثت على مستوى واقع الإنسان المتمثل في الظرف الموضوعي، وعلى مستوى الإنسان نفسه المتمثل في الظرف الذاتي، فهي نقلة كونية إن تناسق ظرفاها أعطت أكلها، وإن لم يتناسقا؛ فليس ثمة أمل يُعطى. فالنقلة حدث يخضع لتقويم الإنسان وحراكه الفكري والسياسي، الذي يُصاغ في إطار ما أنجزته الشريعة من بُنى تصلح أسساً لكل إبداع إنساني، ولكن هذا الحراك الفكري والسياسي، يتوظف في عصور التقدم، المتمثّلة في تلقي هبة الله تعالى، ومن ثم المتناسق ظرفاها في خدمة الدين. أمّا في عصور الإنحطاط؛ المتمثلة بتضييع هبة الله تعالى، ومن ثم اللا متناسق ظرفاها، فيوظف الدين في خدمته؛ وشتّان بين التوظيفين؛ توظيف يخدم الإسلام، وتوظيف يستخدمه.
تلك النقلة الحدث كان قد قادها رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، النبي الخاتم، والإنسان الكامل المتمتع بكل القدرات المطلوبة لإقامة الكيان الإسلامي، على وفق حكومة للدولة الإسلامية؛ لأنه أفضل متلقٍ لهبة الله تعالى المتناسق ظرفاها، المستقيم في صياغتها بما يتطابق تماماً مع الشريعة التي بلّغها. ولكن بعد وفاته (صلى الله عليه وسلم) انقطع الوحي، وكانت الأمّة أمام صرح من الكمالات، التي تجعل منه (صلى الله عليه وسلم) حياً خالداً في واقع الأمّة ووجدانها، يصحح بالكمالات التي أورثها أمته كل ما يشوب خياراتها من أخطاء، فقد كان الحاكم المنّصب من الله تعالى، المصطفى لإدارة شأن الأمة، ولكن بعد وفاته أضحى اختيار الحاكم مسؤولية المسلمين، الذين اكتملت معالم حياتهم على صعيد واقع، اكتسَ بلاغ النبي (صلى الله عليه وسلم) الشرعي، وأحكامه القضائية والإجرائية، وعلى صعيد نظرية اكتست حاكمية النص المقدّس، وطريقة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في التعامل معهما، وأطلقت معالم الإدارة في الكيان المجتمعي الإسلامي، استناداً إلى البيعة المؤسسة لشأن سياسي، تديره الأمة من خلال آليات واضحة، عندها قامت الدولة بمكنوناتها، الأرض والشعب والسلطة، انطلاقاً من الظروف الخاصة بكل جماعة أمرة بشرية، على هدى حاكمية الله تعالى، المتجلية في حياة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فالدولة التي تأسست على تلك القواعد الإلهية الواضحة ستؤول بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وانقطاع الوحي، إلى شأن إنساني يمارسه المسلمون، استناداً إلى ما بقي لديهم من تراث النبوة العظيم، المتمثل بالقرآن الكريم والسنة الشريفة، ولم يسر على وفق هذا المنهج إلّا الراشدون الخمسة، وبعدهم كان الملك العضوض.
ضمن هذه المقاربات تأتي هذه الدراسة التي تتمحور حول النظام السياسي الإسلامي في إدارة الحكم. وهذا وإنّ ما أزمع المؤلف على مناقشته في دراسته هذه هو خلافة الحكم، وليس الإمامة، منطلقاً من أوضاع الأمة المتردية، وصراعها المرير المتمحور حول الخلافة والحكم، الذي يغرز على الدوام تيارات متطرفة، تذكّر بمستويات الإنحطاط التي وصلت إليها الأمة في عهود خلت، حيث كانت الكلمة الفصل للمتطرفين الجانحين ذات اليمين وذات الشمال، تؤذي شوكتهم قوى خفية، قد ترتدي لباس الدين، وتُظهر درعاً مزعوماً، يغيب وراءه أطماعاً متوحشة للمال والسلطة.
وإلى هذا، فإنّ المؤلف لم يتناول في دراسته هذه الإمامة الدينية ولا خلافة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وإنما، وكما يذكر، يودّ بحث الخلافة بمعنى الحكم، التي كانت أول الأمر إمارة، ثم أُطلق عليها فيما بعد خلافة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، مضيفاً بأنّ مايقدمه في بحثه هذا ما هو إلّا صرخة في وجه هذا الصراع الدامي القديم والمتجدد حول الحكم في الإسلام، بين من يقول إنّه (صلى الله عليه وسلم) أوصى بها إلى علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، ليقف مع من يقول إنّه عليه الصلاة والسلام توفي من دون أن يوصي بها إلى حد من بعده. وليصل في نهاية المطاف إلى رؤياه في تحديد كل من ماهيّة الحاكمية والإمرة بقوله أن الذي يتضح من استقراء الواقع الذي تحركت فيه الحكومات المتعاقبة، واستقراء الدراسات التي رصدت آليات عمل تلك الحكومة، أنّ هناك حاكمتين؛ حاكمية إلهية، تمثل الثوابت التي يستند إليها الحكم، وهي ثوابت لا تُستقى إلّا من النص المقدّس؛ القرآن والسنة الشريفة، وأي جهد يستنبط القواعد منهما وهذه الحاكمية لله وحده، لا ينكرها مؤمن بالله تعالى ومصدق لرسوله محمد (صلى الله عليه وسلم).
وهناك حاكمية متفرعة عن أصول الحاكمية الإلهية، فهي حاكمية تطبيق لثوابت الحاكمية الإلهية، من نصوص القرآن الكريم والسنة الشريفة، وتقنين ما يحكم حركة كل الواقع، انطلاقاً من الظروف الخاصة بالواقع المراد إحكام حركته، هذه الحاكمية إنسانية، يمكن أن يطلق عليها (حاكمية الإمرة) استناداً إلى احتجاج أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) على الخوارج، الذين رفعوا شعار لا حكم إلّا لله، فقال الإمام، واصفاً شعار الخوارج: كلمة حق يُراد بها باطل ، وأضاف: نعم لا حكم إلا لله، ولكن هؤلاء يقولون لا إمرة إلا لله، ولابدّ للناس من أمير برّ أو فاجر؛ فالحكم في لإسلام لا يخرج عن نطاق هاتين الحاكميتين، فهو حكم إسلامي، يستند إلى أصل ثابت، تمثله حاكمية الإنسان، وهي شأن دنيوي يقوم على التقنين والتفريع. إقرأ المزيد