نصوص حول القرآن في السعي وراء القرآن الحي
(0)    
المرتبة: 14,205
تاريخ النشر: 10/02/2015
الناشر: المركز الثقافي العربي
نبذة نيل وفرات:لا تقف دلالة مفهوم "القرآن الحي" عند مجرد إستدعائه ليلعب بحسب ما يرى الكثيرون - دوراً إستعمالياً نفعياً في حياة الناس اليومية الجارية، فإذا كان إستدعاء القرآن الكريم في مواقف الحياة اليومية يضفي عليه ما يبدو أنه حيوية، من نوعٍ ما، فإنها تبقى حيوية مضافة إليه من خارجه، وليس ...مما يفيض منه على هذا الخارج؛ بل إن هذا الإستدعاء للقرآني في اليومي قد يؤول - حسب الحاصل بالفعل - إلى تجميد هذا اليومي المعيش، وإفقاده حياته وحيويته ليس فقط لأنه قد يكون مطلوباً منه أن يحضر كقالب يراد به تسكين هذا اليومي المعيش داخله، وبكيفيه تختنق معها رحابته وتدفقه؛ بل ومن حيث ما لا يمكن إغفاله من أن إستدعاء القول القرآني، في الحوارات بين الأفراد قد يكون - في أحيان كثيرة - إحدى آليات قطع الحوار وإسكاته، بدل أن يكون أحد ميادينه وساحاته.
وهكذا، فإن الأمر، بخصوص القرآن الحيّ - لا يتعلق بمجرد إستدعاء القرآن الكريم، عبر التداول الشفاهي له، إلى الحياة اليومية، بقدر ما يتعلق بنوع العلاقة مع القرآن الكريم التي يتحقق ضمنها هذا الإستدعاء، وما إذا كانت من نوع العلاقة المنفتحة أو المغلقة.
وهكذا، فإن مفهوم العلاقة مع القرآن الكريم يكون هو المفهوم الأكثر تأسيسية فيما يخص حضور أو غياب "القرآن الحيّ"، وبمعنى أنه فيما تؤسس العلاقة المنفتحة مع القرآن الكريم لحضوره الحيّ، فإن العلاقة المنغلقة معه إنما تؤسس - على العكس - لغياب هذا الحضور الحيّ.
ولعلّ ذلك يعني أن سعياً إلى إستعادة "القرآن الحيّ" لا يتوقف على الطريقة التي يجري تداوله بها (شفاهية أو كتابية)، بقدر ما يتوقف على إستعادة - أو حتى تأسيس - نوع العلاقة المنفتحة معه، ولسوء الحظ، يبدو أن الإستدعاء الإستعمالي للقرآن الكريم - في الحياة اليومية - إنما ينتهي إلى إفتقاره وإهدار حيوية، على نحوٍ كامل، وذلك إبتداء من تحققه ضمن نمط من العلاقة الجامدة المغلقة معه.
ويرتبط ذلك بحقيقة أنه لا يتجاوز حدود التداول الإجرائي للقرآن الكريم، وهو النوع من التداول الذي لا يلمس منه - ومن كل ما يكون موضوعاً له من الظواهر والمفاهيم - إلا سطحه البراني الظاهر، وذلك على حساب التداول المتصل بجوهره التأسيسي الأعمق.
ولعلّ هذا النوع الأخير من التداول (أي التأسيس) - الذي يكون مدار الإنشغال فيه هو الوعي بالأصول العميقة التي تؤسس للظواهر والمفاهيم - هو ما يفتح الباب أمام الحضور الحيّ للقرآن الكريم، وذلك من حيث يسمح له بالتجارب المتجددة مع تحولات الوضع الإنساني في عوالم متغيرة.
وبخصوص التمييز بين الإجرائي والتأسيسي في مقاربة القرآن الكريم، فإنه يمكن القول أن القرآن الكريم يتميز بكونه ساحة إلتقاء بين "التاريخي" بتحديداته الجزئية، وبين "المتجاوز" بشموله وكليته؛ وإذا جاز القول بأن التأسيسي في القرآن الكريم يتمثل في هذا "المتجاوز" الذي يحيل إلى عالم القيم والمعاني الإنسانية الكبرى، فإن الإجرائي فيه يكون هو جملة التحديدات الجزئية التي تتحقق هذه القيم والمعاني، من خلالها، في لحظة بعينها.
ولا بدّ أن يكون مفهوماً أن الأمر، فيما يختص بالعلاقة بين التأسيسي (الكليّ) والإجرائي (الجزئي) لا يتعلق ثنائية جامدة يقف كل طرف منها بمعزل عن الآخر، بقدر ما يتعلق بحقيقة واحدة يكون "التأسيسي" هو جوهرها الذي يدخل (الإجرائي) في تركيبها، ولكن من دون أن يكون قادراً على إستنفادها...
وهنا يلزم التنويه بأن "التأسيسي" في القرآن الكريم - والوحي على العموم - لا يقتصر على ما هو أخلاقي ومجرد فحسب، بل إنه يتسع لمفهوم "المصلحة الإنسانية" كمبدأ عام، وبصف النظر عن المضمون الذي يتحقق من خلاله المبدأ في لحظة ما، ويعني ذلك، وعلى نحو مباشر بأن "مصلحة الإنسان وصلاحة - كمبدأ عام - هي مفهوم "تأسيسي"، وأما المضمون الذي يتحقق من خلاله هذا المبدأ في لحظة بعينها، فإنه يكون هو الحدّ "الإجرائي" المحقق لها في تلك اللحظة...
ضمن هذه الرؤية تأتي هذه الدراسة التي يتناول الباحث من خلالها نصوصاً من القرآن الكريم في مسعى لإطلاق النص القرآني في معانيه ومدلولاته ليمثل قرآناً حيّاً وذلك بهدف بناء خطاب للأنسنة، يتحرر فيه الله تعالى والقرآن الكريم من التصورات التي تجعلها يحضران كمجرد قناعين لسلطة مستبدة.
إذ الحق أن متانة الإرتباط بين الله عزّ وجلّ والقرآن الكريم والإنسان تبلغ حداً من الجوهرية يكون معه تحرير التصور الخاص بالواحد منها شرطاً في تحرير التصور المتعلق بالحدّين الآخرين.
ومن هنا، يكن إعتبار السعي وراء القرآن الكريم الحيّ - في هذا الكتاب - بمثابة خطوة على طريق إستكمال الشروط التي تجعل من الميسور إنجاز التحول الديمقراطي المأول... إقرأ المزيد