تاريخ النشر: 01/12/2013
الناشر: فضاءات للنشر والتوزيع
مدة التأمين: يتوفر عادة في غضون أسبوعين
نبذة نيل وفرات:"... في مواجهة الوطن تسقط ألوانك كلها فتصبح كالأرض متلوناً حسب الفصول، أنا هنا الأرض وحبة القمح وسنبلتها، فيا أيها العابرون على جسدي بإتجاهين عودوا، توقفوا، لن تمروا فوق هذا الديار... كل تحرك ضمن أي منطقة في هذه البلاد هو بمثابة ركوب المجهول الذي ينتظر فرصة للقنص، تحاول أن ...تطيل ليلك ونهارك، ونتمنى لو تعرف ماذا يخبئ الغيب لك في ساعاتك القادمة، نتذكر بعض من راحوا ومن رحلوا حاملين معهم جزءاً من ذاكرتك، فما بالك لو تفيق يوماً لتجد أن ذاكرتك قد سرقها الموت منك بأجساد آخرين، فهل يحيا الإنسان بلا ذاكرة!!...
الهروب من الذاكرة كالقفز من قارب الحياة إلى المجهول، ربما لأني أعيش عقدة الذنب تجاه ذاكرتي أفكر بكل هذه التففاصيل، بينما الطريق يضمر شيئاً فشيئاً لتقف السيارة نهائياً، وأقفز منها مواجهاً السياح الفاصل بيني وبين الوطن... ها أنا أخيراً في مواجهة الوطن، أنتظر على آخر خطوات الغربة مرشداً يحملني معه إلى آخر عهدي بالوطن، مشاعري اختلفت تماماً، فمين عدت لأول مرة منذ سنة شهور كنت أقف مشدوهاً أمام كل شيء، كل بداية لشارع، لكل دبابة، لكل رصاصة، لكل حلم باللجوء، لكل قصة عشق لم تكتمل، ولكل حب بنت وسط الرصاص، كأن يأتي قادماً من أدغال الأمازون إلى حاضرة ترفل بالمدينة، فلا أنا أقدر أن أحافظ على صلابتي، ولا أنا قادر على التأقلم مع الواقع الجديد...
بعد رحلتي الأخيرة، وخروجي هرباً من مطار حلب، حيث تم ترتيب الأمر لي، صرت أكثر إصراراً على الحياة، بينما من بقي ورائي ظل مصراً على الموت، أهز رأسي الآن وكأني أبرم إتفاقاً مع القدر أني لن أسأل عن أحد كي لا يأتيني خبر الموت، سأتجاهل غياب كل الأعزاء، سأضع لهم تبريرات الغياب، لن أسمح لنفسي بسماع خبر الموت...
آخر الخطوات أقطعها سريعاً، أخاف أن يدركني الموت قبل أن أصل وألمس ذلك التراب، خطوات على إيقاع قلبي، أنتفض، ألتوي، أهتز، أشعر بإرادة للتبول، قلبي بين قدمي وعيوني مسمرة هناك، وبين هناك وهناك خطوات قليلة تختصر رحلة عبر البر والطائرات وضباط الأمن والأوراق الثبوتية التي تشبهني والتي لا تشبهني، خطوات تحتضن آخر الأحلام وأولها، وأسقط الذكور وأشرفهم، خطوات ترسم خط نهاية وبداية... هاتفي يرن فينقطع تأملاتي كلها، أرد لفوري: نعم، السلام عليكم... وعليكم السلام... أخي... أنا ما بقدر أوصل للحدود، الطريق هو أمان، حاولت بس فيه حواجز طيارة كثير... بسيطة... يعني أنطرك هون أو شو أعمل، لأنو حسب إتفاقي مع أبو محمد رح يكون في حدا ناطرني كرمال الطريق؟؟... لأ... إنت ما تدخل اليوم... أنا إن شاء الله بكرة المسا بكون عندك... ويارب نقد نرقب الطريق...
في مواجهة الوطن أقف وحقيبتي الصغيرة ناظراً إلى الأفق البعيد، ثمة قصص لم ترد بعد، ثمة عائلات بلا مأوى، وأطفال بلا حليب، ورجال على طريق الموت بلا أدوية... في هذه البلاد حين يحضر الموت يهرب كل شيء، أشعر بضيق في التنفس... لاهثاً مشدوهاً أمام مواجهة الموت، مستفيداً في مخيلتي بعض المشاهد التي صورتها وأفرغتها في فيلم سينمائي قصير قبل قدومي إلى هنا، مرة أخرى - وربما أخيرة - وما أن انتهت الصلاة حتى صاح أحد الشباب مكبرّاً، فبدأت الحشود تتجمع بالشارع الذي دائماً كنت أراه مكتظاً لا يتسع لعشرات، ولكنه في تلك المشاهد بات يتسع لآلاف وآلاف... على باب المسجد رأيت شبح الموت يجهز نباله ليحصد وجوهاً جديدة ذلك اليوم".
وطن وقصيدة عشق... ومنفى وتيه عن الوطن وعن النفس... ولوعة... ودمعة تملأ عين الشمس... وعيون الزمان والمكان على أرواح لم يعد هناك في حلب على رحابتها متسع لها... فهل سيحقق هذا العائد حلمه... أم أنه سيبقى.نبذة الناشر:"لا يمكن أن أنسى، كيف لي أن أنسى هذه المشاهد، وكيف لذاك الطفل أن ينسى، وحدهم المجانين مرتاحون، فلا شيء يهمهم، مشاهد متتابعة كفيلم سينمائي قصير لتلك الخيام التي انتشرت في الزعتري على حدود الأردن، وأخرى في كلّس على الحدود التركية، حالة من العدم مصير هؤلاء، نساء وأطفال وشيوخ ومجانين وأشباه رجال، الدم في كل كف، في كل عين، في كل قدم، في كل كلمة، في حبة تراب، إنها الحرب، تعود الطائرات من جديد، تختبئ مرة أخرى، جميعاً تختبئ والبراميل تهبط فوقنا، ومن أتى حتفه يبقى مكانه دون حراك.
الزعتري، كلّس، حواجز الجيش، الحدود، العاصي، مقاهي دبي وجلسات التنظير التي كنا نحاول فيها، برفقة بعض الشباب، ان نحلل ونفكك ونركّب ما يحدث، كل ذلك لا يفي بالغرض ولا يرسم المشهد من جديد، وحده طفل لا يتجاوز الثانية عشرة سنة استطاع فهم المعادلة، انبرى بين الجميع، اتجه نحو صخرة ذات علو، وانتظر حتى تأتي الطائرة، رماها بحجر قفذفه قائدها بوابل من رصاص جعله لوناً على الصخر... أمام هذا المشهد صرت يقيناً أنّ كل من هو خارج الحدود لا يعي الصورة الكاملة لما يحدث!!".
الرواية بمجملها صرخة عالية في وجه التخبطات التي تكاد أن تطيح بمكونات المجتمع السوري، صرخة في وجه الطاغوت والتطرف العنيف الذي يتشابه مع الطاغوت في كل شيء، صرخة أطلقها مؤلف الرواية في مطلعها: إنها الحرب، تستنهض أجمل وأقبح ما فينا، إنها الحرب حين يغدو الوطن جُمَلاً تصطفّ لتحكي قصة الوجع المكابر. إقرأ المزيد