التماثل ؛ جمالية وحدة الإله والوجود في معايير العقل الباطني - دراسة فكرية
(0)    
المرتبة: 519,450
تاريخ النشر: 15/04/2014
الناشر: النايا للدراسات والنشر والتوزيع
مدة التأمين: يتوفر عادة في غضون أسبوعين
نبذة نيل وفرات:إن التصوف حالة وجد روحي، يبدأ تاريخه من أول إشراقة نورانية تضيء كهوف الأرواح في بواطن الأنفس، وإرتقاءه إلى أحيار الوجد، وحسبي، وحدهم أرباب الفؤاد الذين يسعون إلى القبض على الحكمة لمعرفة الوجود وخالق الوجود، وبيان شكل العلاقة بين الآله والإنسان، إذاً، التصوف حالة إشتغال على تعاليم معرفة الذات ...الإلهية (الخالق) والذات البشرية (المخلوقة) وأن ما يصيب المرء من حنين مترثب جراء دوافع الرغبات المبهمة، لا يمكنه تحديد وجهة الحنين، إزاء المعني بالمحبة، ويرجع هذا إلى بحث الروح الأدبية عن تحررها من ظلامية جسدها أو من عماء الكونية المحكومة بمشروطياتها الدنيوية كي تعيش حياة الاله، وكما يقول "الإنجيل": نحن نعيش، متحرك، ونملك كينونتنا في الله...
خلق الله العالم كي تدركه الخلائق بواسطة صور الأشياء كظاهر، وفي جواهرا القيمية كباطن، وأزعم أن القيم الجلالية، هي التي تعكس جمال الروح الإلهي الذي قدسته البشرية بقصد الإعتلاء بالنفس إلى مرتبة الكمال الذي يسمح لها الكشف عن الحقائق، يقول ابن عربي: "لما حبّ الله أن يُعرف، لم يكن أن يعرفه إلا من هو على صورته، وما أوجد الله على صورته أحداً إلا الإنسان الكامل".
ومن هذا المنظور، وإلى هذا، فإنه ليس كل من تدين هو صوفي، فالصوفية حالة تماثل روحاني، تعتمل في الذات الورعة، وتتطلب نضوجاً عقلياً، وسمواً روحياً، وتوافقاً متيناً بين الذات ونظرأيها، ممن ينزعون روحياً نحو المتعالي، وتطابقاً مع غيرها، ممن ينزعون إلى المعرفة المجردة بنظرتهم الشمولية للطبيعة، وفهم معنى الوجود من بدء بروز أول مقدس على ظاهرة الوجود، وعلى مختلف تعاليم وأخلاقيات وشرائع الديانات التي تستمد رؤاها من جوهر واحد متمثل بآله واحد، ويرجع سبب هذا التوافق والتطابق في التجانس الروحي إلى وحدة الإله، بإتصافه بالوجدانية، وكذلك، وحدة الطبيعة، رغم تكثر بنياتها وخصائصها ومعاييرها، رغم إنفصال الوحدتين بالتجديد إلا أن علاقة جدلية صارمة فيما بينهما، كون الوجود مستفاض عن "العقل" الإلهي...، تهفو روح المتصوف الوثابة دائماً إلى الإمتلاء العلمي في خصائص بنية الوجود، وشبع معرفي روحي في خصائص العقل الإلهي، قال منهم الإمام أبو حامد الغزالي: "إنهم أرباب أحوال أصحاب أقوال" وإن دخول الصوفي في هذه الحالة، يعني خضوعه إلى إمتحان يمنحه القدرة على إجتياز مقامات التجلي التي توفر له أسباب، ولا مرية في أن الفكر الصوفي "العرفاني" هو نتاج فلسفي عميق، قبل أن يكون تأملاً دينياً محضاً، بيد أن التأمل في متون النصوص أو الخطابات السماوية، قد اتخذ صفة دينية خاصة، إبْان إجتراح طرائق معرفية، خالفت بعض الأصول العبادية؛ فإذا كان الحب الإلهي نزوعاً صادراً عن الخوف، فمن المعتقد أنه جاء من عبادة الإنسان البدائي وتقديسه لمظاهر الطبيعة... نتيجة جهله بالقيم الجمالية المكونة لبنية الوجود، وعدم معرفته بماهية خالق الوجود، ولكنه عندما أدرك هذه القيم العليا، وباتت يقينيات في قيمها ضرباً من تقاليد القداسة، أصبحت هي موضوعة حب وتمثل رفيع.
إن رمزية التماثل، تنم عن تطهير الذات من خطاياها، وتحقيق واجب الإمتثال للنزوعات الإلهية، وتحرير الروح من محكومية الجسدنة والإرادة الدنيوية إلى محكومية الإرادة الدنيوية إلى محكومية الإرادة العليّة، وهنا يتم تحقيق الحالة الصوفية، يقول "أبو القاسم القشيري": "من ترك مذموم أفعاله بلسان الشريعة، يقال أنه غني عن شهواته، فإذا فُني في شهواته بقي بنيته وإخلاصه في عبوديته ومن زهد في دنياه، يقال فُني عن رغبته، بقي بصدق إنابته".
ضمن هذه المناخات، وهذه الرؤية يأتي هذا البحث الذي يحاول الباحث من خلاله رصد حركة العقل الذي اهتم بأهم القضايا الروحية منذ اسطورة البدء المقدس، وعلى إختلاف ما تعاقب عبر التاريخ الأناسي من حضارات الشرق القديمة، وما استفاض عن نزوع التأمل الروحي في المكون القيمي، الذي بات يشكل جوهر المقدس عند كافة البشر.
وإلى هذا، فإن الهدف هو بيان الرؤى الفكرية الفلسفية الخاصة بالعلاقة الجدلية بين الإنسان وخالق الوجود، وأما ما توصل إليه الباحث، فقد وجد أن نسق "التماثل" شكل المحور الناظم الذي يربط حركة العقل أو النفس في أنماط التعاطي مع قضية والحب بخالق العالم، ويدفع نحو المجاهدة من أجل تمثل القيم الإلهية إلى درجة التقديس المتباين في مظاناته، المتعدد في أشكاله لدنّ الشعوب فكان، وعلى ذلك، حري بالباحث ومن خلال دراسته النقدية لهذا المنهج، تتبع سلسلة الفكر منذ بداية التأمل في مبدأ "التماثل الإلهي" الذي ورد في ثنيات التجربة الجمالية، وتكراره عند معظم الفلاسفة، والذي أمس نهجاً صوفياً، أسس لمنظومات معرفية روحية أصيلة في سيرورة الفكر العرفاني، وعبّر عن سداد العقل الإعجازي الآدمي في هذا المنهج المكوّن للبنية الثقافية الزاخرة من الإرث الإسلامي الأناسي العريق. إقرأ المزيد