تاريخ النشر: 01/12/2013
الناشر: النخبة للتأليف والترجمة والنشر
نبذة نيل وفرات:استطاع الشعر العامي المتأصل في تاريخ الشرق وتنوع ثقافاته واندماجها بلوغ مرتبات وجدانية متألقة، وأصبح مدماكاً أساسياً في وجدان الأمة اللبنانية وتراثها وتمايزها عن بقية الأمم ولا ينفصل عنها لتنوعه ولبلوغه الحالات الانسانية المتعددة ويلتصق بها الفرح والترح وتكاد لا تخلو مناسبة الا وتتكلل بتاجه وتتماوج بألحانه؛ باعتباره الأقرب ...الى القلوب والأسهل في التعبير والأفعل في النفوس. تكاد لا تخلو قرية لبنانية من شاعر عاميّ، فهو يمثل ضميرها ووجدانها وإيمانها ولسان حالها ونبراسها المضيء في حالكات الظلمة، وإنه لمن الضروري أن يكبر هذا الاهتمام بهذا الفن الشعبي الراقي الأصيل لتطويره وتعليمه للأجيال القادمة وجعله مادة تُدرَّس في الجامعات لما فيه من دلائل تراثية تنبع من التاريخ اللبناني وجذوره وتعلقه بأرض الشرق كواحة تعبق بالثقافة وتنشر الكلمة والسلام.
من هنا انبثقت فكرة اصدار هذه السلسلة لأعلام الزجل اللبناني التي تهدف إلى صون وحماية حاملي هذه العناصر الثقافية، أو ما يطلق عليهم اسم الكنوز البشرية الحية الحاملة للتراث، وهي تهدف الى تسليط الضوء والتعريف بمنارات لبنان ومبدعيه في هذا الميدان. وقد تم البدء بهذه السلسلة مع أحد أقطاب المنبر الزجلي، الشاعر المبدع "قيصر مرعي"، هذا الذي أبى أن تنحني كلمة الشعر. قبل الحرب العالمية الاولى بسنتين، ولد الشاعر قيصر مرعي، في بلدة حيطورا – قضاء جزين- وهي بلدة تسند ظهرها الى الشير، تلفها احراج الصنوبر والسنديان وترمق من علوها الـ 1100م، قرى وبلدات تتدرج نزولاً باتجاه شرق صيدا، مثل قيتولي، المكنونية، سنيا، صيدون، ريمات وبرتي، وفي موازتها في المقلب الآخر زحلتا، جباع وحومين، وغيرها، فكانت كلها مقصد وملتقى الشاعر قيصر مرعي وبعض الشعراء الكبار: خليل روكز، محمد مصطفى، علي الحاج البعلبكي، عبد المنعم فقيه، عباس نجم الملقب "بالحوميني"، حنينة ضاهر، خليل ووديع شلهوب، في الأعياد والأعراس والمآتم، وسهرات الزجل في المقاهي العتيقة والبيوت، سهرات شعر ارتجالي عفوي، حتى الصباح. والده ملحم مرعي، فلاح مارد، صلب العود، وكمثل أبناء الجبل ذو عنفوان والتصاق بالأرض، يطحن الصخر، يمهد الجلول، يبني، يزرع، فهو كقول المثل "فلاح مكفي سلطان مخفي" فكان لا بد للشاعر قيصر مرعي من ان يعتز بانتمائه الاجتماعي الى طبقة الفلاحين، على الرغم من ان هذه "المهنة" لم تستهوه فإنساق وراء موهبة الشعر التي لازمته منذ صغره. يقول واصفاً أحد الفلاحين: "لا تستحي باسمك على جرحك صبور، فلاح مكفي خير من سلطان زور. مرّة طحنت بمعولك صخر الردى، وبعدها لليوم فزعاني الصخور".
وحيطورا لها في وجدان الشاعر مكانة خاصة، فهي ملعب الطفولة، وملهمته في زمن صفاء العيش وراحة البال، وسهرات الزجل في البيوت أيام الشتاء وعلى السطوح أيام الصيف. يقول واصفاً ضيعته: "ضيعة عليها ترهّب الوزال، والورد فيها لحن الموال. وعا كل مفرق درب جوريي، وعا كل نبعة ميّ رف حجال. الزنبق اجاها من السماء هديي وتبر الحلا من أرضها بينشال وجوزة قديمة عمرها ميي، بعدها بتطعم فقير الحال، وبيوتها قناديل مضويّي، عاشوا سوا عيشة مرا ورجال، عاحبّها فتّحت عيني، والا لها هالشعر مبينقال. مين هالضيعة: البتوليّي لا تسألوا الجهّال والعقّال، هي ضيعتي هي منبر القوّال". وفي حيطورا في منتصف الثلاثينيات من القرن الماضي كان أول لقاء له مع الشاعر علي الحاج البعلبكي من بلدة حومين. وقد اتسع له الالتقاء بشعراء كثر بعد ذلك من قبل شحرور الوادي، خليل روكز، فؤاد شعبان ونجيب العازوري… وذلك قبل أن يتم له تأليف جوقة من الشعراء الشباب وذلك في نهاية الخمسينات. وهم طليع حمدان، أحمد السيد، أديب محاسب، حيث فرضت هذه الجوقة نفسها على المنابر، وجابت بلدات وقرى لبنان من أقصاه الى أقصاه، وأطلقت عليها تسمية "جوقة لبنان" ودامت الى بداية الحرب سنة 1975، فتلاشت مع تلاشي السلم الأهلي. وهو القائل عن الحرب (قصيدة من 500 بيت): (من الغرب هبت عَ وطنا عاصفي، وفرّقنا طايفي عن طايفي…).
وفي النتيجة، خلال مسيرته الشعرية الطويلة، بقي التصاقه بالأرض، وبالضيعة وولائه المطلق للبنان السمة البارزة في شعره وإلى هذا… فقيصر مرعي الذي قال فيه المؤرخ الأب انطوان ضو هو: هذا الشاعر الموسوعة الذي عبَّر في شعره عن اماني الانسان في لبنان، فهو شاعر الانسان في حريته وفي حقوقه وفي قيمه وأخلاقه. وهو شاعر لبنان الواحد… شاعر لبنان الانفتاح والمحبة. وهو وعندما يتغنى بلبنان فإنما يتلو صلاة حب تصل الى حد الشغف به… إقرأ المزيد