تاريخ النشر: 01/01/2014
الناشر: دار المدى للطباعة والنشر والتوزيع
نبذة نيل وفرات:كتب تيوفيل غوتييه، وخلافاً لبودلير العنيف الساخط ضد شينا فار، كتب متحمساً لمشروع هذا الرسام، وعبر عن تصوراته للحداثة، وغوتييه، إلى هذا، شاعر وروائي ورسام وناقد فني (1811- 1872) ينتمي إلى المشروع البرناسي الذي كان لحظة أساسية في تطور الشعر الأوروبي.
كانت هناك، في فرنسا منتصف القرن التاسع عشر، حركتان ...تتقاسمان الفضاء الشعري، هما الرمانتيكية والبرناسية، كان لامارتين وهيفو وفيني يندرجون في الأولى، وكان غوتيه وبانفيل ولوكونت ووليسل وغيرهم في الرئاسية.
بودلير لم يكن في هذا ولا ذاك، من اللافت أن بلزاك قد امتدح موهبة غوتييه داعياً إياه عام 1836 لنشر قصصه في إحدى المجالات، وبالعودة إلى الكتاب، فقد تيوفيل غوتييه النص الأساسي لعمله هذا الذي جاء تحت عنوان "الفن الحديث" عام 1848 لكنه لم يتم نشره سوى إلى العام 1856، وهو كما أسلفنا يتعلق بالرسام الفرنسي المنسيّ، المجهول قليلاً بول شينافار، إلى جانب مقالات حول مواضيع أخرى تتعلق بشؤون ثقافية وتشكيلية.
سيبدو مدهشاً بعض الشيء، أن ينجز في نهاية النصف الأول من القرن التاسع عشر كتاب العنوان هذا؛ بل خارقاً للعادة عند مقاربته، وليس مقارنته بتأخر وصول المصطلح في الثقافة العربية، ناهيك، بالإلتباس المحيط بإستخدامه حتى اللحظة الراهنة.
ولا بد من ذكر نبذة حول شينافار، والجزء الأطول من هذا الكتاب يدور حوله: ولد شينافار في مدينة ليون عام 1808 وتوفي في باريس عام 1895 دخل مدرسة الفنون الجميلة عام 1825 في مشاغل الرسام آنفر ثم في مشاغل ا لرسامين هنري هيرسن ودولاكروا؛ أقام في روما بين السنوات 1827- 1832 وفيها تعرف على الرسامَيْن الألمانيين كورنيلوس وأوفيربيك.
قدمت الحكومة الفرنسية له توصية بتزيين البانثيون الفرنسي في العام 1848، حيث تخيل شينافار ونفّذ تاريخاً للبشرية وتطورها الأخلاقي، إلى الجانب الأيسر من عمله يقع العصر الوثني، وإلى اليمين جداريات تمثل العصر الحديث، كما هو مشروح بتوسع في كتاب غوتييه؛ على أرضية البانثيون تخيل الرسام تركيبة Composition ضخمة لفلسفة التاريخ، أو (مدرسة أثينا جديدة) تليق بالقرن التاسع عشر محاطة بالجحيم والمطهر والبعث والفردوس.
في عام 1851 ألفي الطلب... فقد حوّل بونابرت (أونابليون الثالث) الصرح إلى مكان عبارة كاثوليكي، وكان لا يرى في تركيبة شينافار التوفيقية تثبيتاً كافياً لدور الكنيسة في الدولة الفرنسية، بعد إلغاء الطلب الحكومي أثبطت همة شينافار فلم ينتج إلا عملاً واحداً مهما ذا رمزية دينية معقدة، هو عمله كبير الحجم (التراجيديا الإلهية) عام 1889، بمتحف أورسي، بباريس، مكرساً نفسه للفلسفة والجماليات، وبالنسبة لمعجم لاروس الفرنسي للأعلام، فإن شينافار مبشر بفن أخلاقي مجرد من التأثيرات اللونية، لكنه يضيف بأن فكره أثر على بعض الفنانين مثل أوجين كاريير والنقد المعاصر له، جل أعماله، خاصة الرسم بالفحم والقلم توجد في متحف مدينة ليون أيضاً؛ ومن بين أعماله التصويرية المذهلة "إستشهاد والقديس بوليكارب" و"قيامة الأموات".
عام 1872 كان شينافار يتردد على الصالونات الأدبية والموسيقية، وكان مثقفاً واسع المعرفة ومتحدثاً لبقاً، ومعروفاً على نطاق واسع، قبل ذلك التاريخ، كانت الفكرة الشائعة عنه تتمحور بالدرجة الأولى حول سعة أفقه ومعارفه الكثيرة؛ كان شينافار يعتقد، بسبب تأثره بالفلسفة والتصوير الألمانيين، أن هدف الفن يجب أن يكون إنسانياً، وحافزاً للتحضر، الأمر الذي كان مبعث غضب بلزاك المعارض للفن الإنساني، وبودلير المعارض للفن الفلسفي.
من هنا، لن يكون من الصعب على القارئ الوقوف على ما رمى إليه غوتييه من مقاربته لهذا الموضوع "الفن الحديث" ومأزقه في القرن التاسع عشر من خلال شخصية الرسام بشأ شينافار بين بلزاك وبودليير من جهة، ونيرفال وغوتييه من جهة أخرى، حيث كان بودليير يصطف مع بلزاك بشأن شينافار حيث يقدم كلاهما تصوراً لمفهوم الحداثة، معارضاً لتصورات نيرفال وغوتييه عن الرسام عينه.
إن موقف الجهتين: (بودلير - بلزاك) من جهة، و(نيرفال - غوتييه) من جهة أخرى والذي يعكس فهمين متفارقين للحداثة في فرنسا، بل يطرح مأزقها في تلك اللحظة. إقرأ المزيد