العقلانية والمعنوية ؛ مقاربات في فلسفة الدين
(0)    
المرتبة: 23,440
تاريخ النشر: 04/10/2013
الناشر: دار التنوير للطباعة والنشر، مركز دراسات فلسفة الدين
نبذة نيل وفرات:إن البشر بإستخدامهم كافة قواهم الإدراكية توصلوا على صعيد العلوم والمعارف العقلية الفلسفية، والحسية التجريبية، والشهودية العرفانية، والتاريخية، والأخلاقية، والحقوقية، والفنية، والأدبية إلى مجموعة آراء ومنبينات، واصطنعوا جملة مدارس ومسالك نظرية، وعملية، وفنية.
وتتسم هذه الآراء والمتبنيات والمدارس والمسالك بالتعدد، وبالتباين والإختلاف في الوقت نفسه، لكنها جميعاً ضيعة إستخدام القوى ...الإدراكية لدى البشر، وهي في ذلك كالفواكه المتنوعة في طمعها وألوانها وروائحها، المنتجة كلها من طبيعة واحدة.
من جهة ثانية، ظهر طيلة التاريخ الإنساني أشخاص جاؤوا بأحكام وتعاليم قالوا إنها ليست من صنع قواهم الإدراكية، بل هي موحاة إليهم من عالم علوي آخر، فما من مؤسس دين (نبي، رسول) أدعى أن ما جاء به هو ثمرة إستعماله لقواه الإدراكية الخاصة، إنما يؤكد دائماً أنها من إيماءات السماء.
وإلى هذا فاق الحياة المعنوية هي "التدين العقلاني" أو الدين المعقلن، وبكلمة أخرى هي فهم للدين يتسم بالعقلانية، هذا الفهم العقلاني للدين هو "حق" من جهة، و"مصلحة" من جهة ثانية، فهو "حق" لأن بالإمكان إثباته منطقياً والدفاع عنه، إنه أرسخ أنماط الفهم عقلانية ومنطقا، وهو "مصلحة" لأن الإنسان المعاصر لا يتقبل القراءات الدينية الأصولية والسلفية والأيديولوجية، وهذا لا يعني أن علينا مماشاة الإنسان المعاصر في كل ما يريد، لذلك فإن هذا الفهم حق صائب، وكونه حقاً مسألة مهمة جداً بالنسبة للإنسان.
من هنا، تأتي هذه المقاربات في فلسفة الدين، والموضوع المطروح والذي يتم تناوله هو المعالجات المتنوعة لتعاليم الدين، وهي معالجات تتنوع في إطار تعاليم الدين الإسلامي، كما في إطار تعاليم الأديان الأخرى؛ كاليهودية والمسيحية، والهندوسية، والبوذية والطاوية.
والباحث في طرحه لمقارباته هذه في فلسفة الدين إنما يتم في إطار الجمع بين العقلانية والمعنوية في مسألة الدين والتدين، وإلى هذا فهو يرى بأن عبادة العقائد، أو الإنبهار، بمعتقدات الذات، هي من أخطر مصاديق الوثنية، فهو لا يميل إطلاقاً إلى تحول عقدي لا تباركه الأدلة والبراهين، تحول ينبع من صرف التعبد، أو التقليد، أو الإنخراط في دوامة روح العصر، أو الضعف أمام موضات الفكر المتوالدة، أو الإنجراف إلى مهاوي الرأي العام، أو الذوبان في الجماعة.
إذ أنه يعتقد بأن إنسانية الإنسان رهن إخلاصه للدليل، والعيش على أساس معطيات العقل والوجدان - وإن ما يرمي إليه الباحث من خلال طرحه لمسألة (العقلانية) في عبارة الجمع بين (العقلانية والمعنوية) ليس سوى هذه التبعية الصادقة للعقل والوجدان، ومطالبة الدليل من كل من يتقبل مطالبته إياه بالدليل، فبمقدار ما تفارق العقلانية مسرح حياتنا، يتسع المجال لأغوال: الزيف، والعنف.
فعلى إمتداد تاريخه وجغرافيته، حيثما لم يراع الإنسان حرمة، العقل والعقلانية، ولم يعرهما ما يستحقانه من إهتمام، أضحى مجتمعه صولجاناً سائغاً لفئتين من الناس: أشباح الزيف، وزبانية العنف، وما في سبيل لمكافحة هاتين الآفتين المهولتين سوى الإعتصام بعرى العقلانية؛ وعلى المقلب الثاني، فإن الحياة العقلانية، أو الحياة الأصيلة التي يطالب بها بالدليل، ليست عديمة الكلفة، ولأجل أن تستحق مثل هذه الحياة أن نعيشها، ينبغي أن نطل على عالم الوجود من شرفات النزعة الروحية أو المعنوية، فمن دون هذه الرؤية المعنوية، قد يلوح للإنسان المحب لذاته بطبيعته، والحريص على حماية نفسه ودفع الضرر عنها، وجذب الخير إليها، قد يلوح له أن تكلفه الحياة الأصيلة تربو على نفعها، وهذا هو سر التشديد على (المعنوية)، فهي التي تؤهلنا، في غمرة التوحد الناجم عن نبذ التعبد، والتقليد، وإتباع روح العصر، والإقلاع عن الهرولة وراء التقليعات الفكرية الدارجة، والتأقلم مع الأفكار العامية السائدة، والإصطباغ بلون الجماعة، أن لا نخسر سكينة أرواحنا، وأملنا ورضانا الباطني، رغم كل الصعوبات والأهوال التي قد تعتور الطريق، أما عن عناصر هذه (المعنوية)، وشروط تلك (العقلانية) فهي ما سيضمها الباحث بين يدي القارئ، في كتاب قادم.
وأخيراً يمكن إختصار ذلك كله عند العودة إلى ما قاله الشاعر والروحاني الإنجليزي جون دوف: أن العقل هو اليد اليسرى لروحنا، والإيمان يدها اليمنى، وبهاتين اليدين نعانق حبيب الروح، ونضمه إلى صدورنا، عندها لا مفر أمامنا سوى إيلاء قضية العلاقة بين التدين والعقلانية، الإيمان والعقل، التعبد والإستدلال هو أعظم قضايا الإنسان اليوم ومشكلاته المعاصرة، إيلاء ذلك كله منتهى الجدّ والإهتمام. إقرأ المزيد