مسيحيو الشرق: خيار البقاء وإرادة الرجاء
(0)    
المرتبة: 22,619
تاريخ النشر: 23/03/2013
الناشر: دار سائر المشرق
حمّل iKitab (أجهزة لوحية وهواتف ذكية)


نبذة نيل وفرات:... وتمرّ الأيام، لقاءات ندوات، محاضرات، بيانات، زيارات، حملت قضية صارت عمري، كلما ناضلنا من أجل تثبيت شعوبنا وأهلنا في أوطانهم كلما عاكستنا الأحداث، أليس غريباً، حتى في صلب الرابطة السريانية، أول تنظيم سياسي لشعبنا في لبنان 1975، المؤسسة التي قدمت شهداء على اسم لبنان والقضية المسيحية فيه، أن ...يغادر منها إلى الهجرة نائب رئيس، أمنيان عامان، وأكثر من عشرة من قيادييها، وأن لا يبقى مثلاً من مئة مقاتل دافعوا عن دير القمر في حرب الجبل، ولا حتى واحد للذكرى، هل القضية خاسرة أصلاً.. هل نحن أمام قدر كتب عنه كثيرون: "حياة وموت مسيحي الشرق" آخر الآراميين "آخر الهنود الحمر"... أم أمام خيار نبقى ونستمر: يللي بيقييّوا"؟ أما أنا متنا من زمان وأجلنا مراسم الدفن؟ هل نطلب المستحيل؟ إعتراف ممن ذبحنا لترتاح عظام الذين سبقونا. إعتراف بنا على قاعدة المساواة والمواطنة والحقوق.
عدت إلى الجذور، زرت ضيعتنا المرشرشة حجارة وكنائس شاهدة على إندثار حضارة وشعب! منذ مذيادا إلى ديار بكر إلى ماردين بقي لي بضعة حجارة من "عين ورد" أنظر إليها في علبتها في صالون منزلي وبضعة حبات تراب من قبر قديس سرياني في دير مار كبريال ما زالوا يعاندوننا وينازعوننا حتى ملكيتنا لأراضيه، جلت الشرق، من القامشلي إلى حلب حمص وسوريا الجريحة الآن، إلى عنكاوا ونينوى وأورو وبغداد في عراق ما زال مدمى، أين ذهبت المسيحية الشرقية؟ كيف تكاد تنتهي؟ من كان يحلم أن يهاجر أبناء الرافدين، ميزوبوتاميا العظيمة بلا آشورييها.
حين زرت السفير العراقي في بيروت مهنئاً بالمقر الجديد هزّني أن أغلب المخوتات على الجدران هي تراثنا، العراق هو نحن، سكانه الأصليون، كيف منذ التسعينات مع الحصار ثم الإحتلال وتحت ظلال الدبابات الأميركية خسرنا نصف مسيحيينا، وها أن أفراح مسيحيين سوريا يحملون همهم وخوفهم ويهربون إلى لبنان المثقل أصلاً بهمومه أخبار القتل والذبح تكرار لسينيورهات العراق وربما بنفس الأدوات والأشخاص أو على الأقل بنفس الفكر...
مطران يذبح ما أروع أن يكون المطران "فرح رحو" شهيداً على اسم المسيحية المشرقية؟ آباء يخطفون كنائس تفجر ناس تهدد وتقتلع، هي نفس الرواية في العراق في سوريا... هي نفس الإضطهادات من مصر قبل وبعد الثورة إلى أي وطن مشرقي، فكرة قبول التنوع والتعدد على قاعدة المساواة والمواطنة والحقوق ليست من قواميس المنطقة، ملايين المصريين كيف يمثلون في مجلس النواب؟ بأية نسبة يدخلون الوزارات؟ الإدارات؟ كيف يحفظون لغتهم القبطسة؟ كيف يبنون كنائسهم!...
غريب ان تكون هذه البديهيات في أي مجتمع حرّ مشكلة عصبية عندنا، رئيس حكومة عراقية يصف المسيحيين "بالجالية"، أية ثقافة حتى ولو اعتذر... إنه صراع داخل الفكر في العروبة وفي الإسلام... هل من عروبة حضارية تحضن التنوع... ندوات، سفراء، غرب لاهٍ فقد حس القيادة والريادة والقيم، خبيث في تعاطيه معنا، لسنا نفتش عن حمايات ولا عن إستدراج تدخل غربي، لكنه الغرب بكل نفوذه في المنطقة، هو يدعم الأنظمة التي تجفف الماء من ينابيعها، وعروبة ضائعة فقدت جوهر معناها، فقدت عقلها والقلب، لا قضية فلسطين في نبضها ولا مسيحيو الشرق في ضميرها، أية عروبة ستبقى دون مسيحي الشرق وإسلام مخطوف من ظلاميين يدمرون تراثهم وتاريخهم، ويشنون حروب الإلغاء ضدّ كل من هو ضدّ رأيهم... ماذا على مسيحيين الشرق أن يصعنوا أن يموتوا صامتين، أن يقبلوا اليد التي تغتال أن يقبلوا حياة دون مشاركة في صناعة قرار وطني، دون حريات بكل أبعادها... هل نخسر الهوية... في عقل كل مسيحي مشرقي جواز سفر هو مقيم حتى إشعار آخر ومهاجر محتمل بالطرق الرسمية بالتزوير بالعصابات بالألم الجارح...
هذه بعضٌ من كتابات حبيب أفرام... وهي دمه على ورق، جرحه مخروج كبر... هي عصارة عمرة... هي كتابات على جدار عمره... هي فصل من نضالاته كرّس لها هذا الكتاب لتكون بمثابة قراءة في الحاضر المسيحي الراهن من أجل نظرة سلمية متوخاة من قبل الطرفين المعنيين، المسيحيين والمسلمين الشرقيين بخاصة، وصولاً إلى تطهير حقيقي للذاكرات والضمائر، وهو ما يقصي كل ما ترسب من موروثات لدى الأفراد أو في الوجدان الجماعي، وحبيب إفرام.
وإلى هذا، لا يعني يشير، ويؤكد، إلى أن لبنان يقدم تجربة أصيلة مثمرة جداً على صعيد دور المسيحية المشرقية في تعزيز الهوية المجتمعية الثقافية العربية، ولا سيما على المستويين معاً: شراكة الثقافة بالحداثة والمعاصرة مع المحافظة على الأصالة والجذور وشراكة المصير بالرفض القاطع للوطن القومي المسيحي أو الدولة الإسلامية، أو لتأسيس النظام السياسي على أساس ديني. إقرأ المزيد