جبالة الإسمنت La Betoniera
(0)    
المرتبة: 73,298
تاريخ النشر: 15/12/2010
الناشر: دار نلسن
نبذة نيل وفرات:"غويدو أولداني" شاعر إيطالي معاصر، من منشوراته الوفيرة قصيدة عنوانها: "جبّالة الإسمنت"، في هذه القصيدة يعتبر هذا الشاعر "جبّالة الإسمنت" أساس الحضارة الغربية الحديثة، إنها "الإله الأب"، فكما أن الإله منبع التكوين، هكذا هي "الجبّالة"؛ إنها "تُبدع" مادّة للتكوين، من هذه المادّة ترتفع البنايات، تتلاحم وتكتظّ كأدغال غير موطوءة، ...منها ترتفع الدواخين والمخابر وأنابيب اللهيب والبخار، ومنها تتقلب الأشياء "رأساً على عقب"، كما يذكر الشاعر في قصيدته "ميلانو": "تنقل الشاحنةُ الحصى... ينلقب وطني رأساً على عقب... ليُفرغَ الملايين من الناس في ميلانو... ونمتزج سويّاً كالبيض...".
وهكذا من "الجبّالة" تفيض المدن، تتوسّع، وتبتلع الشجر والأنهار والجبال والفصول والطبيعة وكائناتها، فلا صورة لطائر، ولا نهر لوعلٍ شارد، ولا جبل لعاشق الجبال، ولا فصول لشاعر، ولا طبيعة يحتمي في ظلّها الإنسان من عَرَق النهار؛ في هذا الإطار يحنّ الشاعر إلى نهر "اللمبرو" الذي كان حيّاً قبل أن تجتاحه المدينة: "ها هو نهر اللمبرو الخالي من التماسيح... حيث كنت أغطس بهدوء... على سطح مائه كانت أسير".
كما أنه يشير إلى دمار الطبيعة وخرابها في قصيدته "ربطات العنق": "يتقدم لهب النار نحو مُتَّكأ النافذة... ويغمر وردة الغزنقيّ بدخانه"، ولكن ما سبب جنون هذه "الجبّالة" وهذيانها المستمر في أيامنا هذه؟
الجواب: الطبيعة البشرية، البشري كائن جشع بلا حدود، يعتقد أن سعادته تتحقّق بتراكم المادة على أنواعها، فيبني ويبني ويبني مستغلاً لإشباع مطامعه آلام الآخرين وعذاباتهم، كذلك هو مستعدّ من أجل هذه المطامع أن يشعل الحروب، وينشر المجاعات والموت.
وهل من إنقاذ؟ أبداً، فالإنسان مطبوع على الشرّ، ولا من مخرج، في قصيدة "الحرّاس" نقرأ: "غير أن وسط المعابر الثلجية... كان السانت برنارد يحمل للإغاثة... ماء الحياة المعلَّقة على زناقه... لكنّه لم يكن إلاّ كلباً، لا أتباع له".
من هو برنارد؟ يحمل على زناقه ماء الحياة للإغاثة، ولكن أين؟ في "المعابر الثلجية"، أي في المرتفعات والشواهق حيث لا قَدَم ولا ظلّ، لهذا لا أتباع له ولا رقاق، ولا من رجاء للإنقاذ.
واضح من هذه الكلمة أن الشاعر "أولداني" يتّخذ موقفاً سلبيّاً من طبيعة الإنسان وتالياً من حضارته المعاصرة في صورة خاصة، وهكذا كله في لغة مباشرة "قاسية" واقعية، لا مراعاة فيها للإيقاع والنغم، كما لو أنها لغة بدائية من مقلعٍ بكرٍ في الحياة، إنها لغة الحياة العارية، لغتها حتى العظم والنخاع والشرايين.
ما أقربه في لغته هذه إلى دانتي في "الكوميديا الإلهية"!... إقرأ المزيد