تاريخ النشر: 31/01/2008
الناشر: منشورات جامعة قاريونس
نبذة نيل وفرات:موضوع تاريخ دولة الموحدين، يدفع إلى التردد قبل تناوله أو الالتزام بالكتابة فيه، لتناول العديد من المؤرخين إياه من شتى جوانبه، وتضارب آرائهم في إحداثه في الغالب، غير أن ذلك لم يمنعني من اختيار سقوط الدولة موضوعاً لهذا الكتاب، مؤملاً الوصول إلى آراء جديدة في البحث، من حيث المادة ...والحقيقة جهد ما أمكن.
ولما كانت المؤلفة من قبل قد تناولت قيام دولة الموحدين، من حيث الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي مهدت لقيامها، وأهم الشخصيات التي ساهمت في بنائها والعقيدة التي انبنت عليها، لذاك رأت أن يكون موضوع هذا الكتاب، سقوط هذه الدولة مع الإحاطة بالظروف والعوامل التي أدت إلى ذلك.
وفي إعدادها لبحوث هذا الموضوع لم يكتف ببحث العوامل الظاهرة والمباشرة التي أدت إلى هذا السقوط، ولكنها تتبعت عوامل الضعف والوهن الخفية منذ قيام الدولة إلى جانب العوامل المباشرة، وعمل الاثنين معاً حتى سقوطها.
وحاولت الكشف عن بذور الضعف في عقيدة ابن تومرت والموحدين، وفي عهد خلفائه الأوائل، أمثال عبد المؤمن بن علي وابنه يوسف وحفيدة يعقوب المنصور. وقد يعطي تتبعي لعهود هؤلاء الخلفاء صورة التأريخ لخلفاء الدولة، ولكن ذلك لم يكن المقصود البتة، وإنما الهدف الحقيقي، هو الكشف عن بذور الضعف وعوامل الانهيار في عهد هؤلاء الخلفاء، خاصة وأن دولة الموحيدن بلغت أوج عظمتها في عهد عبد المؤمن وابنه يوسف وحفيده يعقوب. وقد يدهش الكثرون عندما يرون أن عوامل السقوط قد ظهرت منذ هذا العهد المبكر، خفية حيناً وظاهرة حيناً آخر، ضعيفة التأثير والأثر في آن وقوية وعنيفة في آن آخر.
وهناك سمة أخرى تبدو في بعض فصول هذا الكتاب، وهي سمة الصدام العسكري بين الموحدين وغيرهم من القوى العدوة والطامعة في دولتهم. ومن الطبيعي أن تصحب رحلة السقوط أحداث عسكرية عنيفة تكون من الأسباب المباشرة لهذا السقوط. خاصة وأن دولة الموحدين قامت على عصبية قبلية قوية، هي عصبية المصامدة. ولما كانت قد أخضعت لها قبائل عديدة وقوية في نفس الوقت، وتحيط بها عصبيات متعددة، لذلك كان من الطبيعي أن تتمرد هذه القبائل وتثور للانفصال عن جسم الدولة أو لاستعادة أمجادها، كما هو الحال في تمرد قبائل صنهاجة وزناتة، أكبر قبائل المغرب على الإطلاق، والتي كانت قبل قيام الموحدين تسيطر على المغرب والأندلس، ولها فيهما دول وإمارات ذات أثر بعيد في تاريخ المنطقة وحضارتها. كما أن ممالك وإمارات أسبانيا كانت متحفزة على الدوام للوثوب على الموحدين حين تبدو لها بوادر الوهن والضعف، ثم واتتها الظروف بهزيمة الموحدين في موقعة العقاب، وحينئذ تكالبت القوى الإسبانية على الأندلس الإسلامية وضد دولة الموحدين، وأخذت تضر بها ضربات عنيفة متواصلة، أوهنت العظم منها وساعدت على انسلاخ الأندلس عنها ومهدت لسقوطها. إقرأ المزيد