تاريخ النشر: 01/09/2006
الناشر: المؤسسة العربية للدراسات والنشر
نبذة نيل وفرات:"تبين أن كل حجة أطلقتها حكومة بوش لتبرير غزو العراق زائفة، فلم يكن لدى العراق أي أسلحة دمار شامل، ولم يكن يشكل أي تهديد للولايات المتحدة، ولم يكن له أي علاقة بالقاعدة أو بالهجمات الإرهابية في الحادي عشر من أيلول 2001، فقد هوجم العراق ليس لأنه كان يملك أسلحة ...دمار شامل؛ بل لأنه لم يكن يملكها (وهي حقيقة لم تغب إزاء أهداف محتملة أخرى للتدخل الأميركي). ولم يتم استقبال الجنود الأميركيين كمحررين، ولم يسدّد الاحتلال تكاليفه أو يتطلب بضعة جنود ولم ينته بسرعة. كما أن الاحتلال لم يجعل العالم أكثر أمناً أو يقلص تهديد أسلحة الدمار الشامل، وفي الحقيقة فإن الاحتلال جعل العراق والشرق الأوسط والعالم أكثر خطورة. يجب أن لا يشكل أي من هذه الحقائق مفاجأة؛ فقد تمّ التكهن بها جميعاً على الصعيد العام من قبل الحركة المناهضة للحرب، وهو ما تجاهله الأعلام بشكل متعمّد، وحول كل نقطة جوهرية تبين أن الحركة المناهضة للحرب كانت مصيبة في تحليلها، وتبين أن حكومة بوش كانت مخطئة".
يبدو لأول وهلة بأن صاحب هذه الكلمات هو كاتب أو محلل سياسي عربي، إلا أن الكاتب هو أميركي واسمه أنتوني آرنوف مؤلف هذا الكتاب الذي يشكل حجة قوية تتعرض نفسها لصالح الانسحاب الأميركي من العراق. والقارئ أمام تحليل رائع لآرنوف للأسباب التي تدعو الولايات المتحدة لسحب قواتها من العراق. وهو يقول بأنه يطلق من خلال هذا الكتاب الدعوة لانسحاب فوري لجميع القوات الأميركية والدولية في العراق، مركزاً على الانسحاب الفوري، على عكس اقتراحات متعددة بجدول زمني للانسحاب، الانسحاب التدريجي، أو الانسحاب عندما يستقر الوضع في العراق في وقت غير محدد وفي المستقبل. فجميع هذه المقترحات برأيه هي في النهاية وصفات لاستمرار الاحتلال وسفك الدماء، وذلك لسبب بسيط وهو أن الناس الذين سيقررون متى يكون الجيش الأمريكي وحلفاؤه مستعدين للرحيل هم أنفسهم الذين بدأوا الحرب في المقام الأول ولهم مصلحة كبيرة في كسبها.
والكاتب يذكر هنا بأن عنوان كتابه هذا مستعار من كتاب هوارد زين: فيتنام: منطق الانسحاب، الذي نشر للمرة الأولى عام 1967. ففي ذلك الكتاب طرح زين حجة واضحة ومقنعة لانسحاب القوات الأميركية من فيتنام، ويقول آرنوف أنه وفي استعادته للأحداث، بإمكانه رؤية المعاناة التي سببتها إطالة أمد تلك الحرب، وعندما أخذ يتضح أن الولايات المتحدة كانت تخسر الحرب، فإن واشنطن لم تنسحب في البداية؛ بل وسعت الحرب لتشمل لاوس وكمبوديا، وكتب لعشرات الآلاف الآخرين من الجنود الأمريكيين ولملايين الناس في الهند الصينية أن يموتوا قبل أن تضطر الحكومة في النهاية لسحب جميع قواتها. إن أوجه الشبه التاريخية ليست دائماً مناسبة، إلا أن التشابه بين العراق وفيتنام بالغ الأهمية، فإن آرنوف يرى أنه وفي كلتا الحالتين واجهت أعظم قوة عسكرية في التاريخ البشري حدود قدرتها على فرض مشيئتها على شعب لا يرحب بتدخلها، وفي العراق، كما الحال في فيتنام، بدأ الجنود أنفسهم يتساءلون عن منطق الحرب الذي قدمه السياسيون، والذي تردد يومياً في وسائل الإعلام المهيمنة، بينما يرون على الأرض التناقضات الهائلة في الادعاء بان الولايات المتحدة "تجيء بالديموقراطية" إلى شعب تمارس معه الوحشية والقمع، كما أن الولايات المتحدة حالياً تحاول تغطية إخفاقاتها بانتهاج "عرقنة" الصراع مثلما انتهجت "الفتنمة" من قبل. ومع هذا يرى الكاتب بأن التشبيه بفيتنام يقلل من شأن ما يتربص بالحكومة الأميركية في العراق، فمن منطلق جيواستراتيجي، فإن العراق الذي يملك ثاني أكبر احتياطي نفطي في العالم، ويقع في منطقة تحتوي على ثلثي الاحتياطي النفطي العالمي، أهم بالنسبة للولايات المتحدة حالياً مما كانت فيتنام في عام 1967، وكما كتب كاتب العامود في الواشنطن بوست ريشارد كوهن: "إن ما يختلف فيه العراق عن فيتنام هو أنه لن يكون هنالك أي انسحاب في غير وقته، فوضوي ومخزٍ. ففي النهاية لم تكن فيتنام مهمة لكن العراق مهم".
وإلى هذا فإن آرنوف لا يستبعد أن تسحق الولايات المتحدة العراق وتحتله لسنوات قادمة، حتى تحقق على الأقل مظهر النصر، وهو يرجح بأن الحرب في العراق سوف تنتهي مثلما انتهت الحرب في فيتنام بهزيمة الولايات المتحدة، وكما الحال في حرب فيتنام، فإنه سيتم تدفع أعلى ثمن ولسنوات قادمة، من قبل السكان الواقعين تحت الاحتلال، وهم الشعب العراقي الذي يرى بأنه عانى من سنوات ديكتاتورية دعمتها الولايات المتحدة وسنوات حرب وعقوبات. على ضوء ذلك كله يمكن القول بأن للكتاب أهميته، لمصداقيته وللبراعة في تحليلاته، ولموضوعيته التي كان من خلالها من قبل الكاتب إدانة فاضحة للولايات المتحدة الأميركية. وقد حاز الكتاب على إعجاب الكثيرين من المفكرين والسياسيين الأمريكيين من هؤلاء إيف انسلر الذي قال عنه: "يشكل هذا الكتاب قضية متقدة للانسحاب الأمريكي الفوري من العراق. اقرأوا هذا الكتاب وأعيدوا قوّاتنا إلى الوطن الآن". إقرأ المزيد