تاريخ النشر: 01/01/2005
الناشر: مركز الراية للتنمية الفكرية
مدة التأمين: يتوفر عادة في غضون أسبوعين
نبذة نيل وفرات:اقترفت الأمة الإسلامية حول موضوعات اعتقادية كثيرة، وكان من أهم هذه الموضوعات: الاختلاف حول تحديد ماهية الإيمان والكفر، ومن ثم ضوابط الردة والتكفير. ودام الخلاف قروناً، انتصرت فيها كل فرقة لما توصلت إليه، ولما قيض الله لهذا الدين رجالاً يوقفون الضالين عند حدود ضلالاتهم، ويقيمون الحجة عليهم، تضاءل ذلك ...الخلاف وضمر.
وفي هذا القرن رجع موضوع الردة إلى ساحة الفكر الإسلامي، وصار موضوعاً من أهم الموضوعات التي فرزها واقعهم المعاصر، فسيطر على معظم الانشغالات الفكرية لأفراد الأمة وجماعاتها في هذا القرن.
وسبب ذلك أنه لأول مرة في تاريخ المسلمين تظهر موجة عنيفة لتيار يدعي احترام الأديان وتقديسها مكراً بالمسلمين ويطرح فلسفة حكم جديدة لواؤها: فصل الدين عن الحياة. فكانت نتيجة ذلك أن أزيحت الشريعة الإسلامية من سدة الحكم، واستبدل الساسة الحكم العلماني القائم على مبدأ "لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة"، بالحكم المنزل من لدن حكيم خبير.
ومهما يكن من عدم اتزان هذا الأمر، فإن واقع المسلمين اليوم يكرس هذا النظام، ويلجأ إليه لجوء المريض إلى ترياق الداء المستعصي.
ومن البدهي أن يكون أمر سؤال يطرح هو: ما حكم إزاحة الشريعة واستبدالها بهذا المبدأ؟
ظهرت إجابات عديدة، فمن قائل: تلك ردة حديثة، ويستنجد برجلها المحنك فلا يجده حاضراً ليصدها... ومن مؤيد لهذا التغيير والتبديلـ مدعياً أن العلمانية هي جوهر الإسلام وحقيقته!!؟ ومن رافع لواء الوسطية ومحاولاً الاعتدال بأن يقول: ليس كل ما في الإسلام قطعياً، ففيه كثير من الاجتهادات والتفسيرات البشرية وليست كلها صحيحة أو ملزمة، ولتكن العلمانية اجتهاداً جديداً نأخذ منه ما صفا وندع ما كدر... ومن مفصل بين من يحكم بغير الشريعة اعتقاداً بعدم صلاحيتها لتنظيم المجتمع الحديث وتسييره، وبين من يحكم بغيرها تهاوناً وتكاسلاً.
هذه وغيرها من الأسباب تظاهر وتضافر فأنتج خليطاً في المفاهيم والتصورات في موضوع الردة، وهو موضوع لا ينبغي أن يختلط أمره، فإنه تتعلق به أحكام خطيرة، والخلط فيه يعمي الخلط في تلك الأحكام، فاحتاج الموضوع إلى ضبط، ببيان محالات الاتفاق والإجماع فيه، ومجال الاختلاف المشروع الذي لا يعيب واحد على الآخر إذا اجتهد فيه وخالفه.
انطلاقاً من هذا الدافع وأهميته جاء هذا البحث ليطرح موضوعات الردة ويحاول ضبطها، وليعالج مشكلة لها خطورتها، فكان عنوانه: ضوابط الردة عن الإسلام "ديانة، وقضاء، وسياسة".
يدعي المؤلف هنا أنه أول من درس هذا الموضوع، بل العكس صحيح، فقد سبقه إليه كثيرون، وكل واحد منهم تناول الموضوع من زاوية معينة وبأسلوب معين... فما فعله هو محاول طرح الموضوع بطريقة منهجية، تيسر ما يبدو صعباً فيه، مع عرض الأدلة والمناقشات، وربط الجزئيات بعضها ببعض قدر المستطاع، مع التركيز على جوانب مغفلة لم يتناولوها في بحوثهم، ولبلوغ ذلك التزم في دراسته منهج العرض مع التحليل ما أمكنه ذلك، فعرض المسألة وأقوال العلماء فيها. ثم أدلتهم، معتمداً في ذلك المصادر المعتبرة.
وحصر دراسته للخلاف الفقهي في المذاهب الأربعة، وفي بعض المواضع عرض مذاهب غيرهم من علماء أهل السنة والجماعة.
أما الخلاف في مسائل العقيدة فحصر دراسته لها في دائرة أهل السنة والجماعة دون سواهم، لسبب واحد هو أن الاختلاف مع باقي الطوائف في أصول وقواعد، فإن الجزئيات والمسائل الكثيرة كلها مبنية على تلك الأصول، فمحل مناقشتهم هو تلك الأصول لا الجزئيات، خاصة في موضوع الإيمان والردة، فإن الاختلاف كبير، فبحصر هذه الدراسة عند أهل السنة والجماعة تظهر مواضع الاتفاق والاختلاف ضمن حدود متفق على أصولها. إقرأ المزيد