تاريخ النشر: 01/01/2002
الناشر: دار الشروق للنشر والتوزيع
مدة التأمين: يتوفر عادة في غضون أسبوعين
نبذة نيل وفرات:كتابة مبدعة تحاول جنساً كتابياً وتحسنه، وتجريب مجتهد يروض الجنس الصعب ويرفعه إلى أعلى. كان محمود شقير، الذي بدأ الكتابة من عقود أربعة، يضع خبرته كلها في الموضوع الذي يكتبه، صاقلاً أدواته مطوراً وسائله، ومنصرفاً إلى الجنس الكتابي الذي اختاره انصرافاً لا يعوزه الإخلاص أبداً.
تنطوي هذه القصص القصيرة جداً ...على منظور معين للكتابة وللعالم الذي تلامسه الكتابة من جهات مختلفة. تتكئ بالكتابة، وكما أراد الجنس الذي تحاوله، على اقتصاد لغوي متقشف، يفصح ويوحي في آن، بل يوحي، بأكثر مما يفصح عنه. وبسبب ذلك تتعين الكتابة بالكلمات والفواصل والنقاط، وتتعين أكثر بالفراغ القائم بين الكلمات وغيرها، وبالحوار بين مفردات حاضرة وأخرى غائبة.
تعلن كتابة محمود شقير، وقد ارتضت باقتصاد لغوي رهيف، عن طموح شاق إلى "الكتابة الخالصة"، إذ القول يصنعه حوار الكلمات ولا يحتاج إلى صوت صريح، وإذ المعنى ما همست به السطور وأوحى به البياض القائم بينها. لكن محمود، رغم فتنه اللغة، يظل مع وضوحه المليء ، يكشف ويحجب، دون أن يقترب من الغموض، أو أن ينجذب إلى شكلانية فاتنة تائهة المعنى.
تجتهد هذه القصص في تحويل العالم الواسع إلى وحدات كتابية صغيرة. والاجتهاد، بداهة مسكون بالمفارقة، لأن اختزال الواسع إلى الصغير مشقة زائدة. بيد أن شقير يرد على السؤال بطريقين متلازمين: يأتي الرد الأول من الوحدة الكتابية الصغيرة التي يوسعها البناء الداخلي الكتابي، إذ الفاصلة معنى والحرف تصريح والفراغ بين السطور قول وإيحاء في آن. وما طموح "الكتابة الخالصة" إلا هذا الجهد الشاق في توظيف علاقات الكتابة كلها في بناء إبداعي، محدود الكلمات وواسع المعنى. ويأتي الرد الثاني من هندسة الوحدات الكتابية المتراصفة، التي يضيء بعضها بعضاً، منتهية إلى لوحة عريضة المساحة، تستنطق أحوالاً إنسانية مختلفة. ولعل الرجوع إلى عناوين القصص المتلاحقة، يكشف عن تبادلية الإضاءة بين الوحدات المختلفة التي تتحول، في النهاية، إلى لوحة واحدة، ترى إلى عالم الإنسان في احتمالاته المتعددة.
يبدأ محمود بهندسة الكلمات وبناء وحدة كتابية ضيقة، وما هي بالضيقة، ويعطف الوحدة على غيرها، وأصلاً إلى قصة شاسعة، تحكي اغتراب الإنسان في ثنائيات متلاحقة عناوينها: اللقاء والفراق، الحضور والغياب، الامتلاء والحرمان، والتواصل والغربة، الظلم والعدالة، والفرح القليل وذاك الفرح المأمول المؤجل الوصول. وفي هذه الثنائيات المتواترة، التي يكتسحها الاغتراب، يلتقي الفلسطيني بثنائياته المحتملة، الأمن والتهديد، الخوف والمقاومة، الموت والحياة، الإرهاب وإرادة التحدي التي لا تنتهي. يحضر الفلسطيني في قصص خاصة به، قوامها التحدي الظالم والمقاومة العادلة، ويحضر في القصص جميعاً، ذلك أن منظور القصص المفعم بالدفء والمحبة والإنسانية، التي لا تفارقها كآبة ملتبسة، ينطوي على تجربة إنسانية كثيفة شاسعة، هي صورة عن القدر الفلسطيني المخلوق من التراجيديا والبطولة. إقرأ المزيد