من الخيال إلى ما بعد الخيال عند عبد الله باشراحيل
تاريخ النشر: 01/08/2004
الناشر: المؤسسة العربية للدراسات والنشر
نبذة نيل وفرات:إن الدلالة الشعرية دلالة تخيلية، ولذلك فإن الإبداع الجمالي الذي يعكس هذه الدلالة غير مرتبط بالواقع أو محيل عليه، بقدر ما هو ناشئ عن عالم تخيلي يتفاعل المبدع بمجالاته الدلالية، ويستمد منها صياغاته التصويرية. إننا في الشعر نكون بإزاء الصورة المتخيلة أكثر مما نكون بإزاء نقل صورة من الواقع ...إلى تركيب بلاغي يعكس معطياتها. وتفصيل ذلك أن للشعر مجالات تصوّرية ليست هي مجالات الواقع المادي الذي نعيشه في حياتنا اليومية.
إن هذه المجالات هي الأصل في الإبداع الفني بصفة عامة، إنها عبارة عن كليات تخيلية لا يستطيع الحسّ أو الفكر الواقعي والمادي استيعابها أو التفاعل ضمن معطياتها. في حين أنها مجال فسيح ومركّب للإبداع والفن. إن هذه الكليات هي حقول التأمل والإحساس والانفعال لدى الشاعر، ولذلك فهو حين يتفاعل مع معطياتها، ينزاح عن الواقع اليومي الذي يعيشه، ليدخل منطقة تخيلية، يحاول استيعابها والتعبير عنها، فيكون في اللحظة الإبداعية خارج الواقع، وداخل ما قد يشبه الحلم ولكنه ليس حلماً. إن للشاعر آليات يتوخاها لتخيله كي يتفاعل مع العالم، وهي آليات تأويلية، تجعل من الظاهرة الواقعية والمادية صورة تتمثلها رؤيته الإبداعية. إن هذه الطاقة هي التي تجعل من عيون المرأة عيوناً ساحرة، ومن خدها تفاحاً، ويترتب على ذلك أنه لا بد للقارئ هو أيضاً من أن يتسلح بمثل هذه الآليات إذا أرد أن يفهم الشعر.
إنه لا بد من أن يعمل باستمرار على أن يحول نفسه إلى متلق مبدع، قادر على أن يتخيل ويتصور ويؤول، على سبيل التوهم في النفس أن التفاعل التخيلي بين الباث والمتلقي قائم، على كليات مشتركة بين البشر، تنتظم في إطارها مجالات تصويرية متعددة، تتولد عنها الصور الجزئية التي تنعكس عبر اللغة ينقلها الشاعر إلى القارئ عبر لغة لا تتسع لها اللغة اليومية أو تستطيع التعبير عنها ونقل الرسائل الناتجة عن صياغتها. إن البحث اللغوي والبلاغي والسيميائي ليس قادراً على تحديد هذه الكليات بشكل علمي دقيق وتام؛ وذلك لأن مجالات تصورية تنتمي إلى عالم الخيال البشري وحقائقه المجردة وغير الملموسة. وهو نفس التحدي الذي قد تمثله هذه الحقائق بالنسبة للفلسفة وعلم النفس والانتروبولوجيا.
ولكن هذا لا يمنع من مقاربتها بأنواع شتى من البحوث. ومن منظورات مختلفة قد توصل إلى بعض ما تقوم عليه. وذلك ما سيحاول المؤلف وذلك من منظور أن الصور الجزئية التي تكون ما يسمى بشبكة التصوير داخل النص الشعري طريق واضح إلى رصد بعض هذه الكليات التخيلية في الإبداع الفني. وفي التحليل البلاغي، وفي البحث الدلالي والسيمائي أقوى الأدوات على هذا الرصد. ومن زاوية أخرى فإن التنوع الإبداعي الذي لا بد أن يوازيه تنوع نقدي قادر على أن ينسجم معه ويساعده في إطار من التفاعل الحيوي الذي يسعى باستمرار إلى بناء الدلالة الشعرية وفق مبدأ التشارك. إن بناء هذه الدلالة على أساس من المقاربة التخيلية هو ما حاوله الكاتب في هذه الدراسة التي تناولت الخيال وما بعد عند عبد الله باشراحيل. إقرأ المزيد