تاريخ النشر: 01/02/2004
الناشر: دار الأرقم
توفر الكتاب: نافـد (بإمكانك إضافته إلى عربة التسوق وسنبذل جهدنا لتأمينه)
نبذة نيل وفرات:البوصيري صاحب هذا الديوان هو شرف الدين محمد بن سعيد بن حمّاد الجنوني الصنهاجي. والبوصيري هو لقب غلب عليه نسبة إلى بوصير البلد الذي نشأ فيه، والواقع بين الفيوم وبني سويف. أبصر البوصيري النور في مطلع القرن السابع للهجرة، والحرب الصليبية قد تجاوزت قرنها الأول وجرت شوطاً أولياً مطلع ...قرنها الثاني، ومات البوصيري بعد أن خمد أوار هذه الحرب بست سنوات. وقد التحق البوصيري في حداثته بمسجد الشيخ عبد الظاهر، فحصّل أصول اللسان العربي وقواعد الدين الحنيف، وأطلّ من خلال ذلك على آفاق شتى من العلم والدرس، بما يغذي الذهن من معطيات المعرفة، عن طريق القراءة، وليس بواسطة الدرس المنظم والتعلم الذي تضبطه الأصول والمعايير المتبقية في التثقيف المدرسي.
وفي حدود تربية الفكر بغذاء المطالعة ألمّ البوصيري ولا ريب بجوانب من التراث الفكري والأدبي أو الثقافة التي كانت في متناول الدارسين، لكنه في مرحلة متقدمة من حياته، متأثراً بأجواء البيئة والعصر، أكب على مناهب الصوفية فألمّ بسير العديد من أربابها في القديم والحديث، وجال في حدائق أحوالها ومقاماتها، وبالأصح آدابها، كما غاص على معطياتها الدفينة وأسرارها بعد أن وعى كرامات المتصوفة ومدى ما لهم من تجلة عند الخاصة والعامة، متلقياً ذلك كله عن أبي الحسن الشاذلي المشهور آنذاك، ومصاحبة تلميذ الشاذلي أبي العباس المرسي.
وفي شعره مدح البوصيري الشاذلية وتجدر الإشارة إلى أنه وفي عصر البوصيري غلبت في الشعر المدائح النبوية والموضوعات الدينية والمنظومات في الزهد والتصوف، ويعتبر البوصيري من أعلام هذه الفنون البارزين إلا أن المديح النبوي يعتبر من أهم الأغراض في شعره، بل يكاد يكون هذا اللون أبرز الفنون في العصر المملوكي بخاصة، إن لم نقل في العصر المغولي بعامة بحقبتيه المملوكية والعثمانية.
وللبوصيري بين قصائد ديوانه الأربعين تقريباً نحو تسع في مدح النبي وآل البيت. وتتراوح هذه القصائد بين الأربعين بيتاً والأربعمائة والسبعين بيتاً، ويبلغ تعداد أبيات هذه المدائح نحواً من ألف وثلاثمائة بيت، ومن شأنها أن تجعل البوصيري متربعاً على قمة هذا اللون من الشعر، لا من حيث الكمّ بل ومن حيث الكيف، ويكاد يكون البوصيري الحلقة الوسيطة في رفع منار المديح النبوي بين القديم والجديد.
لقد استمد البوصيري من استلهام سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وما فيها من مواقف الإيمان والخشوع للذات العلية، ومعاني القوة الروحية وعظمة النفس المفعمة بنور الألوهية، حوافز لا تجارى للارتقاء بقصيدة المدح النبوي إلى أعلى مراتبها من الجلال والبراعة وعمق المشاعر والتسليم للقضاء والقدر، وباستطاعة القارئ الوقوف على هذه الملامح جميعاً في سائر مدائح البوصيري النبوية، ومن أشهرها مديحته الهمزية ونهج البردة. وقد تحدث ابن تغري بردي عن السبب الذي دفع البوصيري إلى نظم نهج البردة، وكيف كان نظمها سبباً في شفائه من فالج أصابه.
وبالنسبة إلى عناصر شعر البوصيري، فمن حقه امتداحها، لأن لغته في المدائح النبوية غنية وتمتاز بالبلاغة والدقة وهو يجيد أساليب البيان ويحسن في الاستعارة والتشبيه ولا يخلو شعره من زخرفة بديعية، لكنه لم يكن يسرف في البديعيات بخلاف حال معاصرين. وإذا اعتبر العصر المملوكي من العصور التي أصابت الشعر بعامة ولغة الشعر وأخيلته بخاصة، بالوهن والضعف، حُمِدَ للبوصيري سلبقته الشعرية وتدفق منظومه في الدينيات والشعر الصوفي، ساعده على ذلك استقامة اللغة وحسن استخدام العروض وطول باع في حفظ القرآن الكريم وتعليمه فبات متأثراً بصفاء اللغة القرآنية وما فيها من دقة الأداء والإعجاز.
وقد نال البوصيري عناية الباحثين وأصحاب التراجم في عصره وكتب عنه الكثيرون. وفي هذا الكتاب دراسة عن البوصيري في حياته وذلك قبل تقديم ديوانه الذي شمل قصائده في أغراض متعددة والأهم قصائده الدينية وتلك في المدائح النبوية، والتي أحيطت جميعها بعملية التحقيق بما في ذلك شرح للغامض من الكلمات والعبارات، والمناسبات التي قيلت فيها القصائد، وإلى ما هناك من توضيحات وتوثيقات وتراجم لأعلام وردت أسماؤهم في متن القصائد. إقرأ المزيد