جدلية العلاقة بين العقل والتجربة الاجتماعية
(0)    
المرتبة: 111,256
تاريخ النشر: 01/10/2003
الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع
نبذة نيل وفرات:إن للعقل الإسلامي إسهاماته في تقدم العلوم الإنسانية التي اهتمت بشكل خاص بالإنسان ووجوده وتاريخه ومجتمعه، بل اهتمت أيضاً بدواخله عبر تأكيدها على دراسة نفسيته وسلوكه وكل ما يمت إلى روحه الغامضة بصلات مباشرة أو غير مباشرة على حد سواء. وقد تجلى العقل الإسلامي هذا عبر القرآن الكريم بالدرجة ...الأولى، والسنة النبوية الشريفة والآثار، التي تركها خط الإمامة الذي يمثل الامتداد الطبيعي للنبوة، وما تركه تلامذة هذا الخط من تراث عظيم نشر روحه مع أول حرف خطته روح العصر الإسلامي للإنسانية جمعاء.
وكان من بين هذه الآثار العظيمة كتاب "نهج البلاغة" الذي ضم بين دفتيه الكثير من المعارف في الإنسانية، مما يضعه في مقدمة الكتب التي صنفت لتشير إلى شكل ومضمون النصوص الفكرية الأولى من مواضيع الفكر الإسلامي في بواكيره الأولى، حيث الطرح الصريح للإشكاليات الفلسفية العويصة من مثل تنظيم العلاقات بين الخلق فيما بينهم ومن تنظيمها أيضاً فيما بينهم، وبين الله تعالى، ولعل تنظيم هذه العلاقات في شطرها الأول يحتاج إلى أدوات أهمها هو العقل الذي أودعه الله تعالى في هذا الإنسان ليميز وجوده، وبالتالي ليميز تجربته، حيث لا غنى للعقل عن التجربة، حيث لا غنى للعقل عن التجربة، كما لا غنى للتجربة عن العقل، والاثنان يرتبطان ارتباطاً وثيقاً عبر مساحة مشخصة من الوعي، من أجل إنتاج التجربة الإنسانية التي هي تجربة اجتماعية في إحدى أهم تجلياتها المعرفية.
حول هذه النقطة يدور محور هذا البحث الذي يسلط الضوء على التجربة الإنسانية التي يكون الذهن مدارسها الأساس، أي أنها تحدث في داخل الذهن في إطار البحث عن الحجة المنطقية التي تحكم المسار، الذي تتخذه الظاهرة التي تحدث خارج الذهن نفسه، وحيث أن الباحث هو بصدد البحث في طبيعة العلاقة بين العقل والتجربة الاجتماعية، فإنما يعني بالتجربة الاجتماعية هنا تلك الواقعة "الظاهرة" التي تحمل الصفة الاجتماعية، والتي حدثت ضمن ظروف معينة خارج الذهن وكان لها أسبابها الموضوعية، التي ساهمت في إخراجها بالشكل الذي جعلها تتحول إلى تجربة تاريخية ذهنية (عقلية) ناجزة، وحيث أنها تحمل الصفة الاجتماعية فهي إذن تشتمل على العنصر الإنساني الذي تدخّل بشكل مباشر أو غير مباشر في صناعتها وإيجادها في إطار حريته واختياره.
هذا وغنه يجب التأكيد أن لهذه العلاقة التي تربط بين هاتين الأداتين، أي العقل الذي يكمن خلف التجربة الاجتماعية والتجربة الاجتماعية نفسها فلسفة خاصة، ينظم الإنسان من خلالها حياته الحاضرة عبر وعيه الذي يتشكل تاريخياً في مساحة الزمن الذي يحياه هو، ومن ثم يورثه لأجياله القادمة، مثلما استفاد هو من تجربة الماضين الذين سبقوه، وهذه الفلسفة هي فلسفة التاريخ، التي تفسر حياة الماضين وما أقاموه من حضارات سادت ثم بادت؛ لذا فهي ضرورية للإنسان المعاصر بقدر ما كانت ضرورية لمن كان قبله، وهذا هو الطيف الذي يتحرك فيه البحث في هذا الكتاب، والباحث هنا يدرس فلسفة التاريخ بوصفها منهجاً لا موضوعاً، وبالتحديد من خلال منهج علي بن ابي طالب رضي الله عنه في فهم واستيعاب التجربة الاجتماعية في إطار فلسفة التاريخ، كما فهمها الإمام نفسه، فـ"العقل" و"التجربة الاجتماعية" قطبان بارزان احتواهما "نهج البلاغة" كما قد احتواهما في كثير من نصوصه تلميحاً وتصريحاً، يجتمعان مرة، ويفترقان مرة، وكل منهما يحتل ركناً أساسياً في الحياة الاجتماعية للإنسان.< p>هذا وقد توزعت هذه الركائز الفكرية المستلهمة من نصوص "نهج البلاغة" ضمن فصول الكتاب الخمسة. تلمس الأول والثاني منه وبشكل عام طبيعة كل من العقل والتجربة الاجتماعية، وجدلية العلاقة بينهما وأشكالها ومستوياتها، بينما تعرض الفصل الثالث توضيح معالم هذا المنهج وملاحقة الإشارات التي اعتبرها الباحث تشير غليه بطرق مباشرة أو غير مباشرة. أما الفصل الرابع فقد تم فيه البحث بالجانب التطبيقي من هذا المنهج، في إطار أهم المنعطفات التاريخية في حياة الإمام، وأورد الباحث على ذلك أمثلة تاريخية لتوضيح هذا الجانب. وفي الفصل الخامس والأخير تمّ فيه تناول أهم المفاهيم الاجتماعية المعاصرة في علم الاجتماع، وخصوصاً تلك التي تتعلق بفلسفة التاريخ ووعي التجربة الاجتماعية عموماً، لتتم من ثمّ مقارنة بينها وبين ما يقابلها من المفاهيم العامة في فلسفة التاريخ الاجتماعية، أيضاً في فكر الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه. إقرأ المزيد