الصحاف ؛ الشبح... الأسطورة
(0)    
المرتبة: 27,746
تاريخ النشر: 01/06/2003
الناشر: دار العلم للطباعة والنشر والتوزيع
نبذة نيل وفرات:ما من شيء في الحروب مضحك، فكل ما فيها ويحيط بها يسرق الفرح والسعادة ويقضّ المضاجع. الدماء والدموع وأشلاء الضحايا والجوع والخوف والمرض.. قالوا، مع ذلك هنالك جوانب مضحكة في كل حرب، وفاتهم أن الضحك في هذه الحالة يخفي وراءه المآسي وذروة الحزن المجنون وذهول العقل. وجدوا في محمد ...سعيد الصحاف وأقواله ومضمون كلامه مادة للضحك والتندر، وفاتهم حجم ما يخزن عقل وقلب هذا الرجل من أحزان عصره. لن تذكر حرب حواسم العراق في التاريخ إلاّ مترافقة مع اسم سعيد الصحاف الذي اختزل في شخصه كل القصة، وكل القضية وكل العصر العربي الحالي. سيتقدم اسمه على جميع أسماء رجال النظام البائد في العراق وكل نشامى العالم العربي وأركان حرب بوش من مدنيين وعسكريين، ووقفات طوني بلير الفتوية في مجلس العموم البريطاني، والخاشعة في كمب ديفيد.. وإذا كان هناك من رشّحه لجائزة الأوسكار، إمعاناً في السخرية، فالأرجح أنه سيرفض جائزة علوج هوليود ومرتزقة الـ"CNN"، وأخواتها وأوغاد المال اليهودي، ففي عصر صناعة الأخبار وحياكة الأكاذيب، قدم الصحاف أصالة هذا الفن وتأثره العاطفي به، واظب خطابه على الوتيرة ذاتها. ولم يكن في الواقع ليهتز، مهما كانت البراهين ضده، ومع ذلك تمكن من جذب الانتباه إلى ما يقوله يومياً واستهوى الأفئدة في جميع أنحاء العالم (حتى أن بوش قال عنه: إنه رجل رائع، كنت أقطع اجتماعاتي لأستمع إلى مؤتمراته الصحفية)، بفضل تنوعات كلماته اللاذعة التي كان يضيفها، فورياً، على الموضوع الذي يتحدث عنه.
وكانت مهاراته الجنونية في قلب الحقيقة أكثر جاذبية واستهواء من كلالة "المصادر الموثوقة" المبتذلة. كان محمد سعيد الصحاف ممثلاً، مجنوناً عاقلاً. اتقنى أداء دوره في مسرحية عبثية أسدل الستار على الفصل الأول منها، وكان في وقفته تلك أقوى من الواقع وأصدق من كل حقيقة. كان سماع روايته عن الحرب مسلياً، واعتقد الكثيرون أن الرجل الذي يتقلد منصباً يعتبر من أخطر المناصب في زمن الحرب هو إنسان أحمق. ولكن الصحاف اكتسب مصداقية في الأسبوع الأول للحرب وربح معركة الإعلام بكل جدارة، والجميع يذكر كيف ادّعت قوات التحالف احتلال مدينة أم قصر وجزيرة الفاو في اليوم الأول للحرب، وتبين فيما بعد، أنهم يكذبون، بينما كان الصحاف يقول الحقيقة وبأن أم قصر والفاو لم تسقطا.. حتى اليوم السادس من الحرب، وبعد معارك شرسة. وتكررت الصورة عند البصرة، وفي اليوم الثاني من الحرب.. إعلام قوات التحالف يحيك الأخبار والصحاف يصف بدقة الوقائع على الأرض.. سقطت! لم تسقط! ما تزال هناك بعض جيوب المقاومة! حوصرت المدينة! لا، القوات متواجدة في جنوب وشرق المدينة! واستمر الارتباك الإعلامي الذي كان الصحاف يؤججه بمصداقيته اليومية عما يجري في جنوب البلاد أسبوعين إلى أن سقطت البصرة. وهنا كانت بداية ابتعاد محمد سعيد الصحاف عن الواقع. فمن هو الصحاف؟ وما حقيقة الدور الذي قام به هذا الرجل.
في هذا الكتاب كشف لهذه الحقيقة، ولعلّ فيها استعادة مفيدة، لقدرة جديدة على قراءة أحداث الحرب وخلفياتها وتفاصيلها. هذا وقد أعطى هذا الكتاب سمة نقدية تلك الرسوم الكاريكاتورية والتعاليق الساخرة التي تمّ جمعها من صحف عربية وعالمية شتى. إقرأ المزيد