تاريخ النشر: 01/01/1996
الناشر: دار ومكتبة الهلال
نبذة نيل وفرات:يحاول الفارابي (259-339هـ)-(870-950م) في هذا الكتاب أن يحصي العلوم المعروفة في عصره ومجتمعه، أي في القرن العاشر للميلاد، وفي العصر العباسي الثاني، عندما بلغت الحضارة العربية أوج نضجها وازدهارها، وبدأت تؤتي ثمارها الشهية.
والفارابي لم يحص جميع الكتب التي كانت رائجة في عصره وإنما اكتفى بتعداد العلوم والتعريف بها تعريفاً ...مقتضباً والرجل الذي اضطلع بهذه المهمة الصعبة والرائدة والأكثر نفعاً هو ابن النديم (ت385هـ) الذي عاصر الفارابي وألف كتابه الشهير المعروف بـ"الفهرست". وفي هذا الكتاب نجد تعداداً للعلوم وتعريفاً بها كما هو الحال في كتاب الفارابي، ونجد على ذلك إحصاءً للكتب المصنفة في كل علم من العلوم.
وثمة سبب آخر حفز الفارابي على تأليف كتابه هو الفيلسوف اليوناني أرسطو الذي تأثر به شديد التأثر، وحاز على إعجابه، واقتفى أثره في معظم آرائه الفلسفية. والفرق بين أرسطو والفارابي هو أن الأول وضع أسساً لتصنيف العلوم لم يبن عليها الفارابي إحصاءه.
وهناك فرق آخر بين الفارابي وأرسطو هو أن الفيلسوف اليوناني لم يجعل المنطق أحد العلوم، وإنما اعتبره آلة العلوم. أما الفارابي فقد أحصاه في جملة العلوم. والاسم الذي أطلقه أرسطو على المنطق يدل على أنه آلة العلم وليس العلم ذاته، ذلك الاسم هو Organon أي الآلة.
ومهما كانت الأسباب التي حملت أبا نصر على وضع كتابه هذا، فقد أولى موضوع تصنيف العلوم اهتماماً كبيراً. لقد عالج هذه المسألة في كتب أخرى عدا الكتاب الذي بين أيدينا، منها كتاب "تحصيل السعادة" وكتاب "التنبيه على سبيل السعادة". وفي هذا الكتاب نراه يذكر معظم العلوم التي أحصاها هنا، ويعرف بها ويحدد موضوعاتها ويبرز أهميتها. ولكن الغاية من ذكر العلوم هنا تختلف عن الغاية من ذكرها هناك. إن غايته هنا ليست سوى الإحصاء والإحاطة بوجود هذه العلوم وموضوعها. أما الغاية هناك فهي التأكيد على أن هذه العلوم هي سبب السعادة الحقة، وبكلمة أخرى إن من ينشد السعادة عليه تحصيل هذه العلوم.
ونحن نستطيع معرفة غرض الفارابي من تأليف كتابه "إحصاء العلوم" من التوطئة التي مهد بها لبحثه. لقد افتتحه بقوله: "قصدنا في الكتاب أن نحصي العلوم المشهورة علماً علماً، ونعرف مجمل ما يشتمل عليه كل واحد منها، وأجزاء ما له أجزاء منها.."
ثم نراه يعدد المنافع التي نحصل عليها من الكتاب وهي ترجع إلى ثلاث: الأولى تبصرة من يريد أن يتعلم علماً من هذه العلوم فيجد هذا العلم وموضوعاته. والثانية إكسابه القدرة على المقارنة بين هذه العلوم ليعلم أيها أفضل وأنفع وأوثق. والثالثة إكسابه القدرة على اختبار مدى إحاطة مدعي العلوم بها وتضلعهم منها.
فالكتاب إذن لا يطمح إلى أبعد من إعطاء القارئ فكرة عن مختلف العلوم المشهورة، تعينه على معرفة محتوياتها وقيمتها وفضيلتها والمنافع التي تقدمها. ويتجلى انعدام أساس لتصنيف العلوم في تقسيم الكتاب إلى خمسة فصول: فصل يتحدث عن علم اللسان، وثان يتناول علم المنطق، وثالث يبحث في علوم التعاليم، ورابع يشتمل على العلم الطبيعي والعلم الإلهي، وخامس يحشر فيه العلم المدني وعلم الفقه وعلم الكلام.
أما علم اللسان فيدرس ألفاظ اللغة وقوافيها. والألفاظ التي تتكون منها اللغة نوعان مفردة ومركبة. بعد الفراغ من علم اللسان يشرع الفارابي بالكلام على علم المنطق.
وفي الفصل الثالث يتناول الفارابي علم التعاليم، وهو يطلق الاسم على مجموعة من العلوم الرياضية والطبيعية. وفي الفصل الرابع يبحث في العلم الطبيعي والعلم الإلهي. ويعني بالعلم الطبيعي ذلك العلم الذي يدرس الأجسام الطبيعية المختلفة من جمادات ونباتات وحيوانات. أما العلم الإلهي فيفحص عن الموجودات التي ليست بأجسام ولا في أجسام، أي عن الموجودات المفارقة للمادة.
أما الفصل الأخير فيخصصه للكلام على ثلاثة علوم هي العلم المدني وعلم الفقه وعلم الكلام. ويختم الكتاب بتحديد علم الكلام بأنه "صناعة يقتدر بها الإنسان على نصرة الآراء والأفعال المحدودة التي صرح بها واضع الملة، وتزييف كل ما خالفها بالأقاويل". إقرأ المزيد