أبو القاسم الشابي (حياته وشعره)
تاريخ النشر: 01/01/1994
الناشر: دار الفكر العربي للطباعة والنشر
نبذة نيل وفرات:للشاعر في حياتنا دور العنوان المجلي إبداعاً في أغراض وفنون وخصائص، تدخل المجتمع، لتبلور أحاسيس الاختزان الداخلي للوعي الذاتي للإنسان، وتوضح الكليات التي تمثل المبادئ العامة المتربعة مراكز القيم في الحياة. وهذا ما تبوأ صفاته وملامحه شاعرنا "أبو القاسم الشابي" في طرح شعر المعاناة والألم، كواجهة لرسالة تميز ملامح ...شخصيته في وجود عمر شبابه، الذي سرعان ما ذبل، وانقصف عوده، وهو في ريعان عطائه.
ورغم السنين القليلة المرافقة لدفقة خاطرة المتوهج بالذكاء المميز، فقد رسمت قصائده الندية بيقظة الضمير، الدور الإيجابي في بناء الإنسان الراسم للخطوط العريضة، في تغذية الجانب الإنساني، بالمشاعر المختلفة، حسب الإيحاءات النفسية لتصورات الفكر وتأملاته. وستقف أمام قصائده، لتشعر بالأجواء الحميمة المقتحمة لوجدانك وعاطفتك والموفرة لكل المناخات الملائمة، لهؤلاء الذين يواجهونك وتواجههم، ويحتوونك وتحتويهم، في حب ورحمة وحنان، لتربط بينك وبينهم في عملية توثيق للعلاقة، فيما تثيره كلمة الوطنية، من مشاعر وأجواء، وفيما توحيه، من وجود جهاد مفتوح للجميع، لا تفصله الحواجز، ولا تعقده الخلافات.
وشاعرنا المغموس قلمه بالألم والعذاب النفسي المبرح، استطاع أن يحول الألم الأليم، إلى عمل عظيم، والمعتاد بين الناس، هو تكريم من هم إلى جانبهم، ينعمون بدفء حبهم وإخلاصهم. أما ما هو-إلى حد ما-غير اعتيادي، فهو أن يشيد شاعر لأب قضى، وحبيبة أردتها المنية، وفاء حياة يقدمها قرباناً على مذبح نذر الإخلاص الأبدي الخالد، وهذا الذي نشير إليه، في فقد الشابي لأبيه الذي أحبه أكثر من حياته، ولحبيبته التي وهبها كل عمره.
وحين نتوغل في شعر الشابي، سنجد أنه فلذة من أبوة يبكيها، وأمومة يناديها وحبيبة يهتم على وجهه في طلابها، ولكنها سرعان ما يهب كل هذه المقدسات في أعماق مشاعره، إلى أقدس الأقداس وطنه. وسنجد أن كل ما فقده وصوره لنا مؤلماً مؤذياً لا يعادل فقد قطعة من وطن، سقط جسده عليها يوم ولادته، وصارع في سبيل ألا يضيع كل ما يملك من نفس ونفيس. إنه يعيش في شعره، أقوالاً سمعها، وحوادث عاشها، وأمثالاً سردتها العادات والتقاليد على اختلاف لهجاتها.
ولئلا تفقد قصائده معناها الإنساني الذي يحفظ للحياة توازنها، عمد إلى تغليفها بألوان المشاعر الوجدانية، التي تحفظ للواقع قوته الجاذبة له في حركة داخل الذات، كما ترصد النتائج المتنوعة، بين حنايا نبضات الوجود المتلازمة، جيلاً بعد جيل، وعصراً بعد عصر. ولربما يجد القارئ هنا أو هناك، قصائد نظمها الشابي بأحاسيس موغلة التشاؤم أو سابحة في عالم السويداء، ولكن أصول العطاء الوجداني، لا تمنع ذلك.
هكذا أعطى أبو القاسم الشابي فلذات قصائده، في بحور شعره بين حزن قديم على ضياع وطن في مهب الريح الظالمة العاتية، وتحت أقدام التسلط، وبين تصدع قلب على أب هوى، وحبيبة غابت، وحاضر حياة، ليكون كينونتها لما هو آت. والهدف الكامن من خلف هذه الدراسة التي بين أيدينا هو رسم ملامح شخصية هذا الشاعر الفذ المتألق ككوكب الأسحار في دياجير ظلمات القحل والبوار، وإلقاء الضوء على سيرة هذا الشاعر وعلى مذهبه الشعري وأغراضه الشعرية... وبعد ذلك الكشف عن أهم القصائد التي نظمها في الأم، والحياة، والموت، والطفولة والمجد والدموع والجمال... إقرأ المزيد