ضغط الكتابة وسكرها " كتابات في الثقافة والحياة "
(0)    
المرتبة: 477,705
تاريخ النشر: 01/01/2021
الناشر: دار إشراقة للنشر والتوزيع
نبذة الناشر:هي سيرةٍ ذاتية طويلة، عبارة عن مذكّرات شخصية لما مررتُ به من أحداث، وما جابَه كتابتي منذُ بداياتها وحتّى الآن، مِن تجاهل وحفاوة، أو من ودّ وعدم ود، إضافةً إلى سيرة الولادة في تلك القرية في شمال السودان، وسيرة النشأة في السّاحل, والمدن التي زرتها، وأحببتُها بشدّة، والتي زرتها ولم ...أنوِ زيارتها مرة أخرى.
وكنت كتبتُ كتبًا عدّة يمكن إخضاعُها لمفهوم السيرة، لكنّها كانت مختصة بجوانب بسيطةٍ من حياتي، مثل كتاب «مرايا ساحلية» الذي أطلقت عليه سيرة مبكرة, ورصدتُ فيه نظرةَ طفل صغير لمدينة بورتسودان أواخر الستينيات، وأوائل السّبعينيات من القرن الماضي، أيام أنْ كانت من المدن النظيفة المرموقة، وكانت ثمة شخصياتٌ غريبة وشديدةُ الإيحاء أو الغموض، توجد في تلك الفترة، وتتبعثر في ليل المدينة ونهارها، مثل استيفن المشلول، الذي يرابط على مقعده المتحرك أمام مدرسة كمبوني، وعوض ديجانقو، عاشق أفلام رعاة البقر، بطاقيته العريضة، ومسدسه الخشبي، والدّبل صاحب أفضل فول يمكن تذوّقه في المدينة، وكثيرين غيرهم.
وكان يمكن أن أصنع من «مرايا ساحلية» عالمًا بانوراميًّا ضخمًا، أضيف إليه شيئًا من الخيال، لكن لا بدّ أنّ عدمَ الخبرة ساعة كتابة ذلك النص كان له دورٌ كبير في أنني اكتفيتُ بخامات كتابية، كانت قابلة لتفكيك قسوتها واستخدامها بطريقة أفضل.
أيضًا كتبتُ عن عيادتي في حيّ النور الشعبي، وتلك كتابة قصد منها أن تؤرخ للعيادة، والذين كانوا من حولها فقط، وبعض مواقف المستشفى الساحلي الذي كنت أعمل فيه نهارًا، من دون غوصٍ في سيرة أعمق، أعني انتقاء شذرات في السيرة فقط، وأذكر منذُ عدّة أيام أنني التقيت برجُلٍ من جيلنا، من أبناء بورتسودان، في أحد الأماكن العامّة، قال إنه كان يسكن حيَّ النور الشعبي، وإنّه ما يزال يذكر تلك العيادة، وممرّضها ومرضاها، والسيارة اللكورولا البيضاء التي كنت أستخدمها، وأيضًا أقسمَ أنّه يعرف المحتالَ الذي ذكرته في السيرة، وأنّ ذلك الرجل اختفى من حي النور تمامًا، وأنّ الآخرين الذين ذكرتهم فيهم مَن مات ومَن ما يزال يكافح حتى بعد أن هرم.
المهمّ في الأمر، أنّني لم أكتب سيرةً ذاتية كبرى حتى الآن، وفي ذهني دائمًا تبرق تلك السيَر الضّخمة والعملاقة، لكتّاب أنجزوا بالفعل سيرًا تقرأ بسلاسة ووعي إقرأ المزيد