تاريخ النشر: 01/01/2009
الناشر: دار مزيد للنشر
نبذة المؤلف:تقول لي أمي دائماً إنها ولدتني بالقسط. في الشهر الثالث من عمري، بينما كانت أمي تنشر الغسيل تاركة إياي على الكنبة غافلتها ووقعت على رأسي.
تقول أمي إنني ظللت أبكي في البداية، ثم فجأة سكت وتنحت في الفراغ. ظننت أمي أن مكروهاً قد أصابني، وأنني قد أسلم الروح فجأة (ربما كانت ...تخشي على باقي الأقساط)، وفي السماء أخفت الخبر عن والدي الذي يقسم بالله أنه شعر بألم في نفس الوقت الذي وقعت فيه وفي نفس المكان.. في رأسه.
ظلت هذه الحادثة هي الكابوس المرعب الذي يؤرق منام أمي كل ليلة، واعتبرت هي أن نجاتي بفضل الله الذي رأف بحالها، وكادت تنسى مشاكلي وأنا أكبر دون شقاوة تذكر مثل أقراني في نفس السن، لكن حين بلغت الرابعة من عمري فاجأتها بشربي لزجاجة نشادر تركتها بجانبي على أساس أنني مؤدب ولن أفتحها أو على أساس أنها تختبر نفسي الأمارة بالسوء، لكن نفسي غلبتني فانتزعت الغطاء بأسناني وشربت النشادر لأفاجأ بغصة في حلقي سرعان ما تحولت إلى نار في حنجرتي ودهشة لا تنتهي من عواقب الأمر التي لم تكن أبداً في حسباني، والغريب أن أمي كانت (تنشر الغسيل)، وهو ما يؤكد أن الغسيل قد يلعب دوراً مؤثراً في حياتك وإن فاتني أن أسألها عن نوع الغسيل. اكتشفت أمي أمر النشارد بالصدفة وبمنتهي سرعة البديهة حين ذهبت لها ممسكاً بزجاجة النشادر ومشيراً إلى حلقي وأنا لا أستطيع التحدث لتسألني: مالك؟ وأراد: أغغغ آآآدر..، وتعود لتكرر السؤال مرتين أو ثلاثة وأنامصر على موقفي من الـ(أغغغغغ) والـ(آآآآادر)، فبل أن أكف عن استعباطي وأقول: شربت النشادر.
تختطفني أمي بسرعة وتجري إلى (الصحة) المواحهة لمنزلنا، والتي لا زلنا نسميها (مستوصف الشرابية) رغم أنا كبرت وصارت (مركزاً طبياً).
يستقبلني أحد الأطباء الذين فقدوا ابتساماتهم في ظروف غامضة، وأفرزت غدة التناحة لديهم شعوراً دائماً باللا مبالاة وعدم الاكتراث وهو يسأل أمي: وانتي كنتي فين.. الحاجات دي لازم يتعملها محضر في القسم.
كانت أمي تقول له: مش مهم بس الحقه، لكنه كان سمجاً وهو يقول لها: مش تهتموا بعيالكم. وكان أبي لا يزال (في الشغل) وكنت أشعر أنه لو كان موجوداً لما سمح له -أو لها- بما حدث، فقد كان أبي هو بطلي المفضل في تلك الفترة (ربما لأنني لم أكن أراه كثيراً وكان كل ما يفعله معي خيراً مثل الأبطال الخيرين في القصص الأسطورية).
بعد كثير من السماجة المخفوقة بثقل الظل والبستفة والتهزيق لأمي أدركت أنها ستكرهني حتماً بسبب ذلك الموقف، لكنها -على العكس تماماً- كانت مصرة على الاطمئنان على صحتي أكثر من اهتمامها بالمحضر المنتظر الذي قد يتكفل بحسبها.
أخيراً نصحنا الطبيب بالبيض المخفوق الذي يجب أن أشرب منه كميات كبيرة قبل أن (أستفرغ) أو يتم عمل غسيل معدة لي (لا أتذكر تحديداً)، لكن الأمر انتهي على خير وكان مقترناً بمجيء والدي إلى الكستوصف بعد أن سمع عن الحادثة من الجيران. إقرأ المزيد