تاريخ النشر: 01/12/2007
الناشر: المجمع الثقافي
توفر الكتاب: يتوفر في غضون 48 ساعة
حمّل iKitab (أجهزة لوحية وهواتف ذكية)


نبذة نيل وفرات:تعد حماسة البحتري مصدراً مهماً من مصادر التراث الأدبي عند العرب، بما اشتملت عليه من مادة شعرية نادرة لم تتوافر إلا فيها، وما حشد فيها من أسماء شعراء لم نعرف كثيراً منهم إلا من خلالها، وبالمنهج الذي اتبعه البحتري في الاختيار والتبويب الذي انفرد به بين أصحاب الاختيارات الشعرية.
وتأتي ...حماسة البحتري في المرتبة الخامسة من حيث الترتيب الزمني بين أصحاب الاختيارات الشعرية: ما اصطلح عليه بـ"معلقات العرب"، والمفضليات، والأصمعيات، وحماسة أبي تمام، ثم حماسة البحتري. وقد اتجه أصحاب هذه الاختيارات جميعاً للشعر العربي في العصر الجاهلي أولاً، وللشعر الإسلامي والأموي بعد ذلك.
وفي إطار كتب الحماسة تأتي حماسة البحتري في المرتبة الثانية من حيث الترتيب الزمني، بعد حماسة أبي تمام.
ونحن نعلم أن البحتري يعترف بأستاذية أبي تمام له في الشعر، لكنها أستاذية تخرج من دائرة التقليد إلى الإبداع، فكان مخالفاً له في الأسلوب والمنهج، حتى باتا يمثل كل منهما اتجاهاً فنياً في الشعر مغايراً للآخر. وحين صنف أبو تمام حماسته، لحظنا البحتري يحذو حذوه، فيصنف حماسته، فيلتقيان في الفكرة، ويختلفان -مرة أخرى- في المنهج. ولا يكاد يجمع بينهما إلا العنوان، ويفترقان -بعد ذلك- في كل شيء.
لقد ذاع صيت أبي تمام في الشعر، وعده النقاد رائداً للتجديد في الشعر العربي، وشكل محطة رئيسية، نتوقف عندها، ولا يمكن تجاوزها في دراسة للعشر العربي ومظاهر التطور والتجديد فيه. ولهذا شرح ديوانه غيره مرة، وكان كذلك رائداً في الاختيارات الشعرية على أساس منهجي، شدّ الشراح إليه وإلى صنيعه فشرحوا حماسته.
أما البحتري فلم يكن كذلك -في نظر القدامي على الأقل- فلم يشرح ديوانه، ولم تذع حماسته، ناهيك عن أن تشرح، ووصل الأمر إلى أن نجد من يشكك في نسببة الحماسة للبحتري مثل البغدادي في خزانة الأدب حين قال: "ولم نسمع للبحتري حماسة". ولا نعرف أحداً من القدامى شك في حماسة البحتري، أو في نسبتها إليه ولا ندري كيف تأتي للبغدادي هذا الحكم، وهو صاحب المكتبة الغنية، والإطلاع الواسع. وإن من ترجموا للبحتري ممن سبقوه عدوا الحماسة من آثاره، ولم يشككوا فيها. من أمثال ياقوت الحموي في معجم الأدباء، وابن خلكان في وفيات الأعيان.
ولعل السبب في ذلك، يعود إلى البساطة التي تمتع بها في شعره وحماسته. إذ كان شاعر الطبع في شعره، وكان معنياً بالمعنى في حماسته. وإن هذا وذاك لم يشغلاً الشراح الذين كانوا مولعين باللفظ الغريب، والمعنى المستغلق، وهما ألصق بأبي تمام شعراً وحماسة، منهما بالبحتري شعراً وحماسة أيضاً.
وإذا كان لأبي تمام فضل الريادة في الاختيار والمنهج، فإن البحتري كان له فضل الاستقلال في المنهج، والغزارة في المادة. ويمكننا أن نجمل خصائص منهجية فيما يلي: قامت حماسة أبي تمام على مبدأ الأغراض الشعرية، في الوقت الذي قامت حماسة البحتري على المعاني الشعرية. قامت حماسة أبي تمام على الإجمال في الأغراض، فحصرتها في عشرة أبواب، بينما كان البحتري معنياً بالتفصيل الدقيق الذي أوصل حماسته إلى مائة وأربعة وسبعين باباً. كشف البحتري عن قدرة فائقة في تقصي المعاني الشعرية والتمييز بينهما. إذا كان البحتري قد سهل للقارئ الحصول على المعنى الذي يريده، فإنه بالمقابل فتت القصيدة الواحدة، وأساء إلى ما تتمتع به من وحدة نفسية، وسياق منسجم. غلب على أبواب الحماسة طابع الجد والوقاء والعظة، فخلت من معان كثيرة توافرة في الشعر العربي، كالغزل واللهو... كان شعراؤها محصورين في الجاهلية والإسلام والعصر الأموي، باستثناء بشار ابن برد، ومطيع بن إياس، وصالح بن عبد القدوس ممن أدركوا العصر العباسي. كان أساس الاختيار هو المعنى الذي ينسجم مع عنوان الباب الذي يحدده، بغض النظر عن القيمة الفنية له، ولهذا لحظناه يكثر من النماذج الشعرية لشعراء عنوا بالمعاني السامية، وقصروا فنياً، من أمثال صالح بن عبد القدوس، وعبد الرحمن بن حسان بن ثابت. التزم في جميع الأبواب بالأساس المعنوي باستثناء الباب الأخير (174) الذي قام على أساس موضوعي في أشعار الرثاء عند النساء. انفردت حماسة البحتري بأشعار لم ترد في غيرها من المصادر.
وبالنظر لأهمية هذه الحماسة فقد تم الاعتناء بتحقيقها حيث سار عملها في التحقيق على الوجه التالي: كانت مخطوطة مكتبة ليدن هي المصدر الأول في التحقيق ورمز لها بالأًل. جعلت طبعات شيخو ومصطفى وطريفي مصادر ثانوية أثبتت الفروق بينهما وبين الأصل في الحاشيبة ليتضح الفرق في العمل. ورمز لطبعة لويس شيخو "شيخو"، ولطبعة كمال مصطفى بـ"مصطفى"، ولطبعة محمد طريفي "طريفي". خرج الشعر من المصادر الأساسية، فإن وجد للشاعر ديوان، أو جمع شعره تم الإحالة على الديوان أو على الشعر حسب، وإلا فقد تم الاحالة على أقدم المصادر. ضبط النصوص بالشكل، بين بحر كل مقطوعة، صنعت الفهارس الضرورية: للقوافي، والشعراء، والمواضع والأيام والأشعار والأرجار والمصادر والمراجع. إقرأ المزيد