"كنت وما زلت أعتبر مهنة الكتابة من أنبل وأنفع المهن، وإنني لمقتنع تماماً من نفعي في هذا المجال "
دوستويفسكي
أذكر مرّة أنّي قد قلتُ لكاتب هذه الرواية بأنّ أسلوبه الكتابيّ عميق جداً ولا يُستهان بقدراته أبداً. فالأسلوب الأدبي، تسلسل الأحداث، الحوارات، الوصف، المشاعر المكتوبة والصورة التي ترتسم بأذهاننا، كل هذا نابع عن خبرة كاتب محترف وليس شاب متطلّع وحالم.
وهنا لا أقصد سوى بأنّ الكاتب قد هدم كلّ أسقف التوقعات التي بنيناها عنه وعن أول تجربة له في عالم الأدب والكتابة.
هذا كان تعليقي على أول ستين إلى تسعين صفحة من هذه الرواية فقط.
وطِوال قراءتي لهذه الرواية والأسئلة تطرق جدران كياني: ما هو الشيء المميّز بها الذي يشدّني للمتابعة وعدم التوقف؟
أيّ عذابٍ يسكن بطل هذه الرواية وما هذا الكم من المشاعر المتتناقضة التي تسكنني أثناء قراءتي لها؟
وأي كاتب قادر على ترجمته وإيصالها لنا بهذه الطريقة وإيصال هذا الكم الهائل من الحزن والألم لنشعر به وكأننا نعيشه، لنبكي هذه الرواية بكل جوارحنا ونذرف الدموع على وطن عاش تاريخاً كاملاً من الألم والأسى والظلم والعبودية والقهر..
فمن خلال هذه الرواية يعيدنا الكاتب لأحداث الثمانينات في سورية ويصف لنا سورية في ظل حكم بيت الأسد خلال 40 عاماً
ومن خلال بطل الرواية يتطرّق الكاتب لوصف بعض الحالات والاضطرابات النفسية التي قد يعيشها شاب عانى من طفولة قاسية وتأثيرات الأحداث والثورة على مستقبله وحالته النفسيّة فيما بعد.
آدم - بطل الرواية - ذاك الشاب التعيس الذي كثيراً ما كنت أغضب منه ومن برودة أعصابه وتردده وضعفه بلحظات ما، حتى أعود مسرعةً وأبكي عليه وأعذره كي لا أزيد عذاباته، فلا أملك سوى تشبيهه بملاك مبتور الأجنحة، فتّح مقلتيه على هذا الحياة ليجد نفسه غارقاً في مستنقعات أوطاننا وظلامها...
وجميع شخصيات الرواية لم تفارقتي حتى بعد إنتهائي منها.
أخيراً وليس أخيراً يمكنني القول بأنّ لا لغتي ولا كلماتي يسعفونني لإنصاف هذه الرواية بالوصف والتقييم المناسبين. فهذه الرواية خلاصة عمل أدبي إنساني سياسي مع تسليط الضوء على بعض الحالات والأمراض النفسيّة ليشكّل لنا بها الكاتب لوحة فريدة تضم أولى أعماله واجتماع مشاعره بكافتها. ليضع بين أيدي القرّاء عمل أدبي صادق ونابع من كلّ قلبه ومشاعره. وقلّما الآن ما نجد كتّاب يملكون هذه الميزة الرائعة بعيداً عن الابتذال والتكلّف والانصياع لما هو دارج من الأساليب التجارية.
أتقدّم بالشكر للكاتب على هذا العمل الأدبي الأقل ما يمكن وصفه بأنّه عمل أدبي بإمتياز ولجعلنا نعيش لحظات فريدة مع إنسانيتنا وذواتنا.
وشكراً للرسامة الرقيقة والرائعة راما الدقاق على صورة لغلاف.
وأتمنى للقرّاء قراءة ممتعة.
هذه الرواية جعلتني ارتبط بها منذ اللحظة الأولى للقائنا فقد كانت مثل بعض الوجوه المألوفة التي نراها في بعض الممرات ونحسب أننا نعرفها منذ زمن. فلم يكن المحتوى فقط ما لمس جوارحي وإنما البراعة في الغلاف و الإيضاح في الرسم.
أذكر بأني فتحت الرواية وأنا أحاول اتخاذ الحيادية موقفا، عاقدةَ الجبين.. و من ثم بدأت بالقراءة.
لم يكن صعباً على الصفحات الأولى فكّ عقدة جبيني الجادة تلك، بل إن بعض التعابير الأخرى قد بدأت بالظهور وكأن الرواية بدورها تعفيني من الحيادية.
كانت استفتاحية الرواية ملهمة جدا. و أما تلك التفاصيل الصغيرة التي سردت بطريقة جذابة فكانت كالرفيق الذي يجولني في أزقةِ مكان قديم مزخرف، دافئ وواسع لم أعرفه قبلا. وقد أعجبني عدم وجود المثالية بالرواية وهو أكثر ما أمقته. فقد أعجبت حقاً بالسرد الواقعي للأحداث و مكنونات الأشخاص وثقافة الخطأ والسقوط. فلا أظن بأن المثالية تشبه واقعنا في شيء. وأما الإسقاطات التاريخية والجغرافية فقد صنعت بريقاً مختلفاً جذبني حتى أنا التي لا أحب الجغرافيا ولا التاريخ. وتلك الخاصة بدمشق جعلتني أتوق إليها حباً وأغرق في الحنين لها أعواما كاملة في الجزء الواحد من الثانية.
شعرت بأني كنت هناك معهم لحظة لحظة، و تمتمت بالكثير من الترهات محاولة مواساتهم تارة و بث الأمل في واقعهم تارة أخرى. لقد مضى وقت طويل على آخر مرة أكملت قراءة رواية كاملة في نفس الجلسة.. ساعات متواصلة اقتادتني للنهاية.
سأكون صادقة، فلم أكن راضية عن النهاية.. بل وشعرت بحسرة على أبطالها ولكن نعم، هذا ما يحدث حولنا.
كانت النهاية التي أرادت إخبارنا بأنه توجد تلك النقطة التي تعيدنا إلى الواقع وتجعلنا نترك غيومنا التي حملت أحلامنا يوما، ولا تزال تحملها، في غياهب التمني. ونسلك طريق التأقلم والاستمرار مع التظاهر باللا اكتراث بعض الأحيان.
ليس اليأس ما تتركه الرواية بك، وإنما الواقعية.
بل كانت الرواية تطور حس الأمل فينا.. ففي كل حدث نغدو متشبثين بالأمل أكثر.
لم أكن لأقتصر رأيي بهذه الرواية على بضع نجمات لن تنطق بما خالجني من الشعور.
أخيراً، سرد موفق وعمل جبّار.
بانتظار الأعمال القادمة.
يأخذنا سامر إلى مكان يعرفه السوريون، أو أغلبهم، في رحلة في الذاكرة مر بها الكثير منا، بين الإثارة والحماس في بداية 2011 إلى التشرد والضياع بعد 2013. شخصيتنا الرئيسية، آدم، والذي لا نعرف اسمه إلا بعد مرور 40 صفحة على الرواية، هو طفل سوري، يتيم، يكبر في الرواية معنا ونراه خلال مراهقته وشبابه، نرى في عينيه الكثير من شباب سورية اليوم.
آدم مصاب باضطراب ما بعد الصدمة، قبل الحرب حتى، ولكن الحرب زادت العلة أضعافًا مضاعفة.
لغة سامر سهلة وسلسلة، تشدك لإنهاء الرواية ومعرفة مصير آدم.
آدم يشبهنا، وفي كلّ منا جزء منه
لن أبالغ ان اعترفت أنها الرواية الأروع من جميع ما قرأت حتى الآن
الكتاب يسرد الأحداث بشكل شيق وراقي..