تاريخ النشر: 01/01/2014
الناشر: دار مدارك للنشر،
مدة التأمين: يتوفر عادة في غضون أسبوعين
نبذة نيل وفرات:"تقوم من نومها متناقلة... عيناها لم تجفّا بعدُ من دموع الأمس... جفناها متورمان... وجهها شاحب وشيء ما يجثم على صدرها، ها هي تستقبل يوماً آخر بلا طعم ولا رائحة.
هكذا تتوالى أيامها بملل.... يومٌ سيغادر ليسلمها ليوم جديد... تسمع صوت الماء في الحمام، وعادل يصفر كعادته وهو يحلق ذقنه، ليس ...من عادته أن يكون بشوشاً، إلا عندما يكون بصدد قرار مهم، تغيظها مسرّته ما الذي يجعله سعيداً حتى قبل أن تستيقظ السعادة من سباتها؟... لا تسأله، يخبرها...
تمتم صباح الخير بصوت غير مسموع، يفهم ما قالت ويتفهم مزاجها الصباحي، ينتظر قريراً ثم يسألها: ما هي مشاريعك اليوم؟ تتجمد للحظات وهي تتذكر للحظات وهي تتذكر "مشروعها الأهم"، تنظر إليه الرغوة البيضاء تغطي نصف وجهه، يبدو وكأنه "بابا نويل" بلحيته البيضاء ينقصه الكوش فقط. ترد: لا شيء... يوم عادي ككل يوم، ربما أدعو ضيوفي الأجانب غداً إلى البيت ليتناولوا الغداء معنا.
لست متأكداً بعد... لكن أرجو أن تكون جاهزة في كل الأحوال... ردّت متعجبة: منذ متى وأنت تدعو ضيوفاً غرباء إلى البيت؟ عادة تأخذهم إلى المطاعم التي تتكاثر كالأرانب في الكويت، هؤلاء عملاء مهمون جداً... في حديثنا أمس لمحّوا أنهم يودون تجربة (Home cooked meal) كويتية، يعني طبخ بيت، عندك مانع؟ وبسخرية قالت: لا أبداً، ربما تكون فرصته جيدة لضخّ بعضاً من حياة في هذا المكان، تجاهل ملامحها: هم يحبون الــ (Sea Food) فاعملي حسابك على أكلة سمك، وربما "مطبق زبيدي"، كنت تجيدين عمله، ردّت بتلقائية: كنت أجيد كثيراً من الأمور يا عزيزي، تجاهل الردّ مرة أخرى.
وخرج من الحمام، من السيء ألا تفهمه، لكن الأسوأ أنها وصلت إلى درجة أنها لا تريد أن تفهمه، في السنوات الأولى من زواجهما، كانت امرأة راضية؛ بل سعيدة.
كان لكل شيء معنى عندها وكل شيء يفرحها، أن يستحسن طبخة، أن يدخل إلى البيت مبكراً عن موعده، أن يضحك طفلها، أن تشتري طقم صحون للمنزل، سألته عن سبب تغير حالهما وحياتهما، صعقها الجواب، كنت غبية، فكنت سعيدة، لكن المعرفة تفسد عقل المرأة، فمنذ خرجت خارج حدود المنزل وعملت ورأيت حركة العالم وبدأت تشعرين بحركته ودوران كلّ شيء على نفسه.
أخذت الفكرة منه وأصبح الدوران من نصيبك وها أنت تدورين على ذلك بلا مخرج فصرت تعيسة، كانت كلماته تنقذ لكل حواسها كما الطلقات، كان قلبها ينصهر من الألم لكنها ظلّت منبهرة من تحليله وصدقه ودقته في آن، ومن قسوته وفظاظة تعبيره في آنٍ آخر... راحت تنصت لداخلها، هل عادل هذا الذي لا ينتبه لشيء انتبه لي رويداً وبدأ يقرأ أفكاري؟ هل استطاع رؤيتي وأنا أدور حول نفسي وأنا أخطط لخيانته؟ عاد الغيظ يتّقد داخلها، كلما تذكرت كلماته، أسلوبه، طريقته بمعاملتها، آمنت بمخططها أكثر، وأصرت على عدائها له أكثر وأصرّت على عدائها له أكثر.
كل شيء فيه يقتلها: بروده، صحته، بُعده، فظاظته، يا لهذا الوجع الذي لا ينفك يعصر روحها كلما تذكرت عدد الأيام التي عاشتها بإنتظار لفتة منه، كلمة حنونة أو همسة بسيطة كانت ستكفيها لتزيل عنها غبار الروح، ماذا سيكلفه لو حاول التغزل بها كما يفعل الغرباء؟ وماذا سيضيره لو احتضن شغفلها وغافلها بقبلة؟ كم كانت تتمنى وتتمنى حتى تعب التمني منها، حتى جرّها ببلادة مشاعره لأن تعيش معه كالكنبة أو كاللاتوب الذي يستعمله. لا... بل اللاتبوب أهم منها بالتأكيد...
عندما تفرّغ الحياة من المشاعر الإنسانية والعاطفية تصبح كأرض قاحلة جدباء تعبث بها رياح القسوة ويستبد بها قيظ الضياع... وتغدو موطأاً لكل عابر سبيل... في غفلة من الزمن، أو في صحوةٍ منه يسلّم عادل زهرة لأهوائها العابثة، باحثة عن شخص... تسلية... لتملأ فراغ عقلها... قلبها... جسدها...
تحكي الرواية قصصاً فيها من المآسي الإنسانية ما ينكأ الجراح ويضني الفؤاد... تتبدل المشاهد... بتبدل الأزمنة والأماكن والأشخاص... يحتويك زمن قاسي بأحداثه ومكان كان مسرحاً لأحداث... تعيها الذاكرة... الزمان في إحدى مشاهده التسعينات والمكان الكويت في الفترة التي شهدت أراضيها الهجمة العراقية وما خلفتها من آفات سياسية وإجتماعية ووتنتقل الروائية من الحاضر إلى الماضي، من الأحداث الآنية المجردة من المشاعر الإنسانية إلى ماضٍ يعجّ بذكريات موجعة وأخٍ كما هو اسمه، جاسم، يجثم بصوره الثقيلة الثقيلة على العقل والوجدان، لا يتدرع عن إرتكاب الفاحشة مع أختيه، وزهرة إحداهما.
بين الماضي والحاضر تنتقل زهرة، لتلقي مراسيها في آخر المشاهد على مشهد تدمع له العين، ويدمى من حوله القلب... مشهد طفل سوري فتح المشاهد على أوجاع أطفال سوريا المنتزعون من حضن الحياة والطفولة.
تقتحم زهرة النفوس، تعريمها، مستهلة ذلك بنفسها... ثم زوجها عادل الذي اشترك في قتل أطفال سوريا وتهجير أهلها وترحيلهم لكونه تاجر سلاح يمدّ طرفي النزاع... زارعاً الموت والدمار... أولاً في نفس زوجته... ثم في نفوس الآخرين...
تمضي الروائية بأسلوبها السلس بسردياتها لتشدّ القارئ، ماضياً، وبرغم الإنزياحات والتناقضات والمأساة التي شهدتها الأحداث كما الشخصيات، يمضي مع زهرة باحثاً معها على حلٍّ لمعاناتها النفسية ولإنحرافاتها... والحلّ الموجع آتٍ لا ريب... من رائحة التانغو. إقرأ المزيد