تاريخ النشر: 01/06/2002
الناشر: المؤسسة العربية للدراسات والنشر
نبذة نيل وفرات:تؤكد النظرية النقدية المعاصرة أن شعرية الشعر أو الشعرية فيه من أبرز عناصره وأشدها خطورة. فهي التي يعود إليها تلقي النص منه أو الانصراف عنه، وهي التي يرجع إليها تأثير الشعر وقوته، وهو تأثير يماثل تأثير السحر وقوته، تماماً كما الشعرية في سائر الفنون التي توافق الشعر-أو تخالفه-في الإدارة ...وتماثله في الغاية. إن لكل فن من هذه شعريته التي تناسبه وكذا فإن لكل منها شعريته التي يحقق بها أثره، ولكن ما الشعرية؟ وهل تقتصر الشعرية على الفن، والشعر فن، وحده؟ أم أنها تتجاوزه لتشمل ما ليس بفن؟ وهل تختلف الشعرية من فن لآخر كأن تختلف شعرية الشعر، مثلاً، عن شعرية القصة والرواية، أم أن حقيقة الشعرية واحدة، وأن الاختلاف الذي نلحظ فيها يتسرب إليها من اختلاف الفنون بعضها عن بعض؟ أن الشعرية خصيصة جوهرية في النص، أي نص، وأن المبدع أو الكاتب هو الذي يفجرها فيه، وإذا كان لذلك، فإن الشعرية لا يحتكرها النص من الشعر أو الأدب أو تحتكره، فثمة من النصوص مما لا يندرج تحت الأدب مما لا يخلو من الشعرية وإن لم يقصد صاحبها إلى إيجادها فيه، كل ما في الأمر أن الشعري خاصة والأدبي عامة يستأثر الشعرية مثلما تستأثره الشعرية، فلا يكون النص أدبياً إلا بشعريته، ولا يتلقاه قارئه بوصفه نصاً أدبياً إلا لشعريته، ومن ثم فهي التي تميزه كما تتميز به في هذه الأضواء يمكن أن نفهم هذا الاهتمام المتواصل بالشعرية في نقدنا العربي، ولعل أقدم صورة لهذا الاهتمام المنظم بالشعرية تلك التي نصادفها في كتابات الفلاسفة أمثال الفارابي وابن سينا وابن رشد، أو نلحظها في كتابات النقاد الذين تأثروا بالفلاسفة وحذوا حذوهم أمثال حازم القرطاجني خاصة، فهؤلاء هم الذين لا معرج في الشعرية إلا على ما أصلوه، فإلى هؤلاء يرجع الفضل في تأسيس مبحث شعرية الشعر أو الشعرية فيه، ذلك أن هذا المبحث يستلزم مرجعية نفسية وفلسفية وجمالية وهي مرجعية ظل يفتقر إليها الناقد العربي القديم.
وفي الأغلب الأعم فظل نقده محصوراً، باستثناءات قليلة، في نطاق الملاحظات الجزئية المتمثلة في تلمس الشاهد والمثل أو في تتبع معاني الشعراء أو في الموازنة، أو التوسط، بينهم. على أي، فإن الاهتمام بشعرية الشعر ظل يتواصل تواصل الشعر ونقده، وظل هذا الاهتمام يتطور تطور الشعر وتطور مناهجه وآلات البحث فيه، وكان من نتيجة ذلك أن تعددت الدراسات التي اتخذت الشعرية موضوعاً لها،و على الجملة فأن هذه الدراسات تتوزع في صنفين: فهي أما كتب موضوعة خصيصاً للشعر، وأما بحوث منشورة في مجلة أو أخرى. وهذه الدراسة، لصاحب هذا الكتاب، تشي بموقع الشعرية من تفكير كاتبها النقدي، وكان قد نشرها في مجلة "فصول" عام 1987، وهي تشكل من كتابه الفصل الأول. بالإضافة إلى ذلك هناك فصول ثلاث كانت قد نشرت هي الأخرى في مجلات مختلفة، استقل أولها بالأسلوب، واختص ثانيها ما لتلطف، واضطلع ثالثها بالالتفات. أما صلة هذه الشعرية فهي منها في الصميم. إن الأسلوب والتلطف والالتفات،كل أولئك يمثل بالنسبة للشعرية الآلة والأداة، ويمثل كل أولئك بالنسبة للشعرية المرام. إقرأ المزيد