النبي ابراهيم في الثقافة العربية الإسلامية
(0)    
المرتبة: 60,970
تاريخ النشر: 01/11/2001
الناشر: دار المدى للطباعة والنشر والتوزيع
نبذة نيل وفرات:يمثل إبراهيم في الثقافة العبرية الأب للشعب العبري، قرّ في أرض كنعان التي يهبها الرب لنسله فيما بعد، وليست هذه النظرة محدودة بثقافتهم الأولى فحسب؛ بل ما زالت مبحثاً أساسياً إلى اليوم، وقد محض لها دارسون كثر مكاناً جغرافياً يثبتها واقعاً عيانياً هو الحرم الإبراهيمي.
وفي الثقافة المسيحية كان إبراهيم ...وما زال الجدّ الأعلى ليسوع المسيح، وقد تأسست على ذلك سلسلة من نسب الأبناء والأحفاد تمتد من الجد إبراهيم إلى داود وسليمان، إلى يوسف البار رجل مريم التي ولد منها يسوع المسيح؛ ورغم أن في هذا ما يخالف الإعتماد المسيحي القائل بأن ليس للمسيح أب بشري فإن المسيحيين اجتهدوا في جعل الأبوة من جهة الأم مريم وزوجها يوسف.
أما في الثقافة الإسلامية فهو أبو الأنبياء وخليل الله وأول المسلمين ومؤسس الحنيفية (الإسلام)، إنه إذن في التوراة والأناجيل والقرآن الكريم الأب المشترك في ثقافات ثلاث، وإذا كان قد وقع تصوره على هذا النحو؛ فهو أصل تأسيسي أوّل حدث بعده الإفتراق بين الجماعات الثلاث، اليهودية والمسيحية والإسلامية، فاختلفت لذلك التصورات المحمولة حوله عند صياغة المنظومات العقدية، وظلت كل جماعة محافظة على علاقتها بذلك الأصل، ولم تسع أي واحدة إلى فك الإرتباط به إلى عصرنا الحاضر، بقدر ما سعت إلى تأكيده وتمتينه، وأنه لا خلاف في أن الأصل واحد مشترك وإنما الخلاف في الذرية، فاليهود من ذرية اسحق بن إبراهيم، والعرب المسلمون من ذرية إسماعيل بن إبراهيم، والمسيحيون من أتباع يسوع المسيح الذي يعود في أصله إلى إبراهيم الجدّ الأعلى.
إن كل جماعة تؤسس تاريخها وجغرافية سيرتها وأوطانها بالقياس إلى ما تحمله من إرثها الثقافي عن إبراهيم، وما تنظمه حوله من أخبار، فإذا هو متشكّل بصياغات مخصوصة لذاكراتها الجماعية، فإذا كانت القدس والخليل وبيت إيل وجبرون وقبره بالمكفيلة بمثابة العلامات المكانية التاريخية الدالة على الإنتماء الجغرافي والعقدي والعرقي إلى إبراهيم بالنسبة إلى اليهود، فإن مكة عند المسلمين علامة مكانية عيانية فارقة تنتظم جولها منظومة عقدية كاملة تؤسس بدء الإسلام وبدء الثقافة العربية وبدء العرق العربي.
بهذا يرتقي إبراهيم في كل النصوص الثقافية الخاصة بأهل ديانات التوحيد الثلاث إلى حد الهاجس الذي يهيمن على البنى الشعورية واللاشعورية، فلا نص يؤسس لتاريخ الجماعات إلا وهو بعيداً من ذلك الأصل اليقيني الإفتراضي في آن واحد ويخلق معه الوصل المتين.
والغريب حقاً أن هذا الأصل بقدر ما يبدو حيزاً للإختلاف، يظهر من جهة أخرى حيّزاً للإلتقاء، فالإختلاف ارتبط بما يمكن أن نسميه الشرعية الدينية التاريخية في حاضر الجماعات، من يسود عقدياً؟ ومن أكثر أصالة من غيره؟ ومن أصوب في عقيدته؟ في حين أن الإلتقاء كان حول الإله الواحد الذي دعا إليه إبراهيم.
إن هذه الجماعات تلتقي في إبراهيم، وفي إله إبراهيم، لتختلف فيما بعده، أي في نسله، ويمثل حدود أدائه لوظيفة توحيد الجماعات يؤدي وظيفة مقابلة هي وظيفة الفصل، هاتان الوظيفتان لا تدخلان في نواة التصور الثقافي بقدر ما تهمان الوظائف الذي يؤديها التصور تلك الوظائف الناتجة عن الحاجة المنوطة بعهدته وهي ليست حاجة ثقافية متغيرة من جماعة إلى جماعة كما هو متوَهَم، ولكنها في الأصل حاجة ثقافية قارة في كل الثقافات، منها الحاجة إلى تحقيق الإيلاف العقدي العرقي، وهي لا تتحقق إلا بخلق المتحد العقدي والعرفي المسوغ للشعور الجماعي.
من هنا، وقع النظر على إبراهيم على أنه ملهم حكيم وقائد قادر على سبر المجاهيل وإختراق حدود المعرفة السائدة بواسطة الإلهام الذي خصه به الله تعالى فكان إستثنائياً في كل شيء، وحينما تجمع فيه الجماعات كل خارق عجيب تحقق إزاءه ما تسميه مديونيه المعنى الذي يشدها إلى هذه النواة، فتحس بدين معنوي تجاهه، وتطيعه عن طيب خاطر لأنه يقدم المعنى لحياتها.
إن هذه النواة المشتركة "إبراهيم" وهي تتداول بين ثلاث ثقافات تؤدي نفس الوظيفة الثقافية العامة في اليهودية والمسيحية والإسلام، وذلك ما يمكن مبدئياً من الإنتهاء إلى قانون ثقافي عام يؤدي فيما بعد إلى تبين وظائف أخرى داخل الثقافة العربية الإسلامية متفردة، هو أن النواة الثقافية إذا ما وقع تداولها، لا يمكنها أن تؤدي إلا نفس الوظيفة الثقافية التي تؤديها في ثقافة واحدة.
منطقي إذن أن أول وظيفة تؤديها النواة الثقافية "إبراهيم" بالنسبة إلى المسلمين هي تحقيق الإيلاف العقدي والعرقي، وذلك ما يظهر في الملمح الثقافي العام لحياة العرب المسلمين اليوم.
ضمن هذه المقاربات يأتي هذا البحث الذي يطمح إلى تبين ماهية وملامح النبي إبراهيم في الثقافة العربية الإسلامية، وقد انتظم ذلك في مشغلين، الأول تعلق بالنموذج المدروس وهو تصور إبراهيم، في حين أن الثاني اتصل بالتنظير لما سماه الباحث نحو الثقافة، مضيفاً بأن العلاقة بين المشغل الأول بالثاني تعني فيما تعني كيفية تأسيس قول نظري بالإعتماد على تحليل نموذج واحد بما في ذلك من خطورة قد تبدو من عدم إيفائه بالمعطيات الممكنة من صياغة قوانين عامة تتجاوزه، أو بإعتبار قصور النموذج في حدّ ذاته عن تمثيل بقية النماذج والدالة على الثقافة.
وإلى هذا فقد استقام المشغل الأول على تناول دراسة التصور من خلال ثلاثة عناصر: 1-صياغة تصور إبراهيم، 2-تداول التصور وأثر المعرفة المعاصرة، 3-الممكن قوله في الأطروحة والمسكوت عنه؛ وأما المشغل الثاني فهو التنظير حيث أن الباحث حاول إيجاد مقولات كلية حول شخص إبراهيم والتي هي قواعد في النمو الثقافي، وكل مجموعة ثقافية تجريها في ثقافتها بحذف أو بإضافة، لينتهي به المطاف إلى القول بأن في كل ثقافة وبصورة عامة، وحول ما نسج حول إبراهيم كما في أطروحته هذه على وجه الخصوص يوجد السرد والمرح والدين وتصور العالم وتصور النبي المؤسس والنموذج والأخلاق والإحتفال وغير ذلك، والمطلوب معرفة صورة تجلية أي تجلي شخص إبراهيم النبي في هذه الثقافات. إقرأ المزيد