تذكرة بالإخبار عن اتفاقات الأسفار 1182 - 1185
(0)    
المرتبة: 90,881
تاريخ النشر: 01/11/2001
الناشر: المؤسسة العربية للدراسات والنشر
توفر الكتاب: نافـد (بإمكانك إضافته إلى عربة التسوق وسنبذل جهدنا لتأمينه)
نبذة نيل وفرات:صاحب هذه الأسفار هو أبو الحسن محمد بن أحمد بن جبير الكناني كان مولده في سنة 540هـ/1145م، الرحالة الأندلسي الشاطبي البلنسي. وتجمع الروايات أنه كان أديباً معروفاً وشاعراً مجيداً وعالماً فاضلاً مشغوفاً بالأسفار، نزيه النفس، كريم الأخلاق، أنيق الخط، ذا أسلوب في الكتابة يمتاز بالسهولة ورقة العبارة.
وتبدو هذه السمات ...الفنية واضحة في كل صفحة من صفحات هذا الكتاب. إن همه الأول أن ينقل إلى قارئه ما يراه وما يسمعه في صور طليّة واضحة. وهذا يؤكد أنه أديب متمرس في صنعته، متعمق في لغته وبيانه ويمكن أن نضيف إلى ذلك اهتمامه بالسجع والمحسنات البديعية واللفظية أحياناً أسوة بأسلوب أبناء عصره في مشرق الوطن ومغربه، لكننا نلاحظ أن موهبته الأدبية الأصيلة سرعان ما تبعده عن تلك الزخارف الشكلية، فيعود إلى عبارته العفوية السلسة التي تستقر في قلوب قرائه حالما تدخل أسماعهم.
وتبين لنا رحلته هذه التي تحدث عنها في هذا الكتاب دقته العلمية واهتمامه بشتى التفاصيل كالتواريخ اليومية وظهور الأهلة ورصد وتسجيل كل ما يمر به أو يراه من ملامح الأرض وتشكيلاتها وطرقها والمسافات التي قطعها وأحوال الجو وأنواء البحر، وجرأته في السؤال عما لا يعرف، وملاحظاته الناقدة لسوء تصرفات العاملين لموكلين بإدارة شؤون الناس، واستنكاره لانحرافهم عن الصراط المستقيم، وإشادته بما أنجز صلاح الدين من مدارس ومستشفيات ومساجد وحمامات وغير ذلك من المرافق العامة.
ويشيد ابن جبير في كتابه هذا برعاية السلطان للمغاربة والغرباء، فضلاً عن حياته الجهادية المظفرة ضد الصليبيين وتحرير البلاد منهم. إن بن جبير يبين لنا، بغير قصد ولا ادعاء، مكانته الرائدة في كتابة المذكرات اليومية. ولا نملك إلا الإعجاب بهذا الرحالة الرائد وتقدير جهوده الميمونة حق قدرها، ونحن نراه منكباً على تسجيل دقائق يومياته في الحل والترحال، عبر البر والبحر، في حالات السكينة والأمان وفي أوقات العواصف والأهوال، غير عابئ بالصعب والأخطار التي تواجه الكاتب وتحول دون مواصلة عمله بطريقة ميسورة. إنه يؤكد بذلك أن الكاتب الصادق فارس قضية وحامل رسالة، وهو لا يبتغي من وراء ذلك أجراً ولا منّة. وسوف يرى القارئ شغف ابن جبير بوصف الطرق والمدن وما تضم في حناياها من معالم ومساجد وآثار وأضرحة وأولياء، دون أن يغفل متابعته الوصفية والنقدية لسلوك الناس وأولي الأمر منهم بوجه خاص. وهو لا ينسى أن يدعم مواقفه وآراءه بشواهد مستفيضة بما يحفظ من القرآن الكريم والأحاديث النبوية المشرفة، وهو إلى ذلك يولي المواقع التاريخية والآثار المقدسة عناية خاصة ويتبرك بزيارتها، معبراً بذلك عن نفس حرة كريمة عامرة بالصلاح والتواضع والسيرة العطرة. ويكفي هنا أن نشير إلى ما ذكر من تفاصيل في مناسك الحج والمسجد الحرام في مكة المكرمة وزيارته لمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومسجده المبارك هناك.
ولا بد أن نتابعه خطوة خطوة ونعيش بصحبته كل دقيقة، وهو يمضي بنا في تلك العتبات المقدسة. ولا ينسى أن يعرج بنا إلى أضرحة الشهداء والأولياء والصالحين الأوائل الذين احتضنتهم تلك التربة المشرفة لنتلو الفاتحة معه، ونستعيد معه ذكرياتهم ومواقفهم المجيدة وهم يحملون مشاعل الخير والحق والعدالة للبشرية جمعاء ويخرجون بالأجيال المتتابعة من الظلمات إلى النور وراء الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم
والكاتب في أماكن أخرى ينعى على المسلمين في المشرق العربي ما حلّ بهم من خلاف وانحراف عن صراط الدين الحنيف، وربما بدا منحازاً إلى مذهب دون غيره أو مندداً بمذهب آخر لا ينسجم مع عقيدته، لكننا ينبغي ألا ننسى أنه عاش في عصر الحملة الصليبية التي كانت تقتضي موقفاً جماعياً موحداً من أجل التصدي لأعداء الأمة الطامعين، وكان صلاح الدين الأيوبي هو الذي جعل ابن جبير متشدداً إلى حد التعصب الصارم الذي لا يقبل المداهنة أو المداراة. ومن جانب آخر، فإننا نلمس لدى ابن جبير إحساساً مرهفاً بالنكتة اللطيفة المغلفة بالظرف والطرافة. وهذه رحلة ابن جبير الأولى، وقد امتدت ثلاث سنوات وثلاثة أشهر وسبعة عشر يوماً.
وكانت الرحلة الثانية إلى بيت المقدس، بعدما فتحها صلاح الدين وحررها من الصليبيين. وفي هذه الرحلة، خرج من غرناطة في التاسع من ربيع الأول سنة 585هـ/1189م وعاد إليها سنة 587هـ/1191م. ثم قام برحلة ثانية إلى الحجاز، ملتمساً الفداء اثر وفاة زوجته. وكانت هذه آخر رحلاته، إذ جاور بمكة حيناً من الزمن ثم في بيت القدس، وتجول في ربوع مصر حتى استقر أخيراً في الإسكندرية منصرفاً للتدريس إلى أن وافته المنية هناك في التاسع والعشرين من شعبان سنة 614هـ/1217م.
ونظراً لأهمية هذا الكتاب فقد صدر في هذه الطبعة بحلة معاصرة، حيث تمّ تدقيق النصوص وشرح العديد من الكلمات، كما تم تخريج الآيات والأحاديث التي اقتبسها المؤلف. وتجدر الإشارة إلى أن كتاب رحلات ابن جبير هذا هو واحد في سلسلة تهدف إلى بعث واحد من أعرق ألوان الكتابة في ثقافتنا العربية، وذلك من خلال تقديم كلاسيكيات أدب الرحلة، إلى جانب الكشف عن نصوص مجهولة لكتاب ورحالة عرب ومسلمين جابو العالم ودوّنوا يومياتهم وانطباعاتهم، ونقلوا صوراً لما شاهدوه وخبروه في أقاليم بعيدة وتربية لا سيما في القرنين الماضيين الذين شهدا ولادة الاهتمام بالتجربة الغربية لدى النخب العربية المثقفة، ومحاولة التعرف على المجتمعات والناس في الغرب.
بالإضافة إلى ذلك فإن من أحد أهداف هذه السلسلة من كتب الرحلات العربية إلى العالم، هو الكشف عن طبيعة الوعي بالآخر الذي تشكل عن طريق الرحلة، والأفكار التي تسربت عبر سطور الرحالة، والانتباهات التي ميزت نظرتهم إلى الدول والناس والأفكار. فأدب الرحلة، على هذا الصعيد، يشكل ثروة معرفية كبيرة، ومخزناً للقصص والظواهر والأفكار، فضلاً عن كونه مادة سردية مشوقة تحتوي على الطريف والغريب والمدهش مما التقطته عيون تتجول وأنفس تنفعل بما ترى، ووعي يلمُّ بالأشياء وعليها ويراقب الظواهر ويتفكر بها.نبذة الناشر:تعتبر رحلة ابن جبير من كلاسيكيات أدب الرحلة في الثقافة العربية، امتدت ثلاث سنوات وثلاثة أشهر وسبعة عشر يوماً، بدأها يوم الخميس في 8 شوال سنة 578هـ، الموافق 3 فبراير/شباط 1182م، وختمها في 22 محرم سنة 581هـ، الموافق 25 ابريل/نيسان 1185 ولم يدوّن غيرها، وكانت رحلته الثانية إلى بيت المقدس، بعد أن فتحها صلاح الدين وحررها من الصليبيين، لكنه لم يدوّن وقائعها مكتفياً بقصيدة امتدح بها السلطان الناصر.
وسواء كان سفره في البر أو البحر، فإن شغف الكاتب الأصيل في رصد أهوال الطريق ومباهجه وأحوال الجو وتقلباته لا يفارقه أبداً، فضلاً عن أنه يرصد عادات الناس وتقاليدهم في البلدان التي زارها وأقام بها. وهو لا يكتفي بتسجيل ما يرى ويسمع ويعاني وحسب، ولكنه يأخذ دور المصلح الاجتماعي أيضاً، مصرحاً برسالته في انتقاد القائمين على شؤون الرعية، وتقويم كل منكر، وإشاعة الفضيلة وحسن المعاملة بين الناس. إقرأ المزيد