الآثار الكاملة لغسان كنفاني ج3
(0)    
المرتبة: 8,270
تاريخ النشر: 01/01/1987
الناشر: مؤسسة الأبحاث العربية
توفر الكتاب: نافـد (بإمكانك إضافته إلى عربة التسوق وسنبذل جهدنا لتأمينه)
نبذة نيل وفرات:القليلون جداً من الناس يعرفون أن غسان كنفاني كتب مسرحيات، إضافة إلى كتاباته الأخرى الكثيرة، وليس ذلك غريباً. فهو لم ينشر منها (والكاملة منها ثلاث) إلا واحدة في أثناء حياته، هي مسرحية "الباب" عام 1964، ولم تثر حينئذ اهتماماً خاصاً بعد الاهتمام الكبير بروايته "رجال في الشمس" التي سبقت ...المسرحية بقليل. أما المسرحية الثانية "القبعة والنبي" والتي كتبها في مطلع عام 1967، فقد نشرت في مجلة "شؤون فلسطينية" في عدد نيسان 1973، بعد استشهاده أما "جسر إلى الأبد"، فهي تمثيلية إذاعية، أرادها أن تذاع في حلقات، وأغلب الظن أن غسان احتفظ بها مخطوطة لأنه لم يرض عنها كل الرضى. لهذه المسرحيات الثلاث أهميتها الخاصة، لأنها دليل آخر على النشاط الفكري العارم القلق المصطخب، الذي تميزت به حياة غسان كنفاني، فهو لم يستطع التوقف عن الكتابة لحظة واحدة في السنين الخمس عشرة الأخيرة من حياته، إذ كان عليه أن يحقق قطاعات النفسي، كفلسطيني أولاً ثم كأديب معاصر وأخيراً كسياسي فاعل، عن طريق الكلمة بأشكالها جميعاً، بطاقاتها جميعاً، بأساليبها جميعاً، فكانت القصة، وكانت الرواية، وكانت المقالة الفكرية، وكانت الدراسة، وكان التحقيق الصحفي، وكانت الصرخة السياسية، وكانت أخيراً المسرحية يلطف بها جميعاً ذلك الاحتدام العاطفي الذي بقي مشتعلاً في نفسه باستمرار، ليؤكد على هويته، أو هوياته المتداخلة، كفلسطيني، وكأديب، وكسياسي، ويجمع فيما بينها بروابط من التفكير المتصل.
أول ما يلفت النظر في هذه المسرحيات، إنها لا تذكر فلسطين، أو اسماً لمكان فلسطين، على عكس كل ما كتب غسان كنفاني من قصص وروايات، حيث الإشارات الفلسطينية دائمة، صريحة وكثيفة. غير أن المنطوي الفلسطيني قائم بقوة من البداية حتى النهاية، على نحو رمزي أحياناً، وتجريدي أحياناً أخرى. ومهما يصعب تعيين المتوازيات بين المعاني الظاهرة والدلائل الضمنية، فإن الوحي الفلسطيني هو الوحي الفلسطيني هو الوحي الدائب اللحوح في كل التضاعيف، سواء أبرزت أم خفيت.
ولكن بقدر ما كان غسان كنفاني مسكوناً بالقضية على نحو صريح عديد الأوجه، فقد كان أيضاً مسكوناً بهاجس شخصي بحت، هاجس دائب لحوح أيضاً، يتفاعل أحياناً مع القضية، وينفصل أحياناً عنها متشبثاً بخصوصيته، انه الهاجس الفكري المطلق الذي يتصف به المبدعون الكبار. غير أن التجربة العائبة التي كانت تعصف دائماً بمخيلة غسان، كانت تقرر أيضاً اتجاه هاجسه حتى في أشكاله التجريدية.
وهذا ما يميز مسرحيتي "الباب" و"القبعة والنبي". انهما شخصيتان جداً، وفي الوقت نفسه، فلسطينيتان جداً. وهما تختلفان عن رواياته وقصصه في أنهما تمثلا من محصلة للقوتين الفاعلتين في نفسه، إحداهما واقعية، والأخرى مطلقة، وهي محصلة تجعل لغسان في النهاية صوتاً هو من أصوات العصر، بشمولية الرائعة معاً، شمولية العذاب، وشمولية تخطي العذاب نحو أفق مجهول، حتى عند الكاتب نفسه.
ربما كان هذا هو السر في أن غسان كان سريعاً وعميقاً في استيعابه كما يقرأ لعصره وسريعاً وعميقاً في ردود فعله لما يقرأ. ويضع كل ذلك في خدمة قضيته الواحدة. انه يتلقى مناخ الستينات: الفكري، الأدبي، الأسلوبي، ويسخره في الحال لغايته. استخدام الرمز والأسطورة لدى الشعراء العرب الذين عاصروه يجد تجاوباً في نفسه، بعض التيار الوجودي في الأدب، ولا سيما المسرحي، يلتقي عنده بتيار مسرح اللامعقول وكلا التيارين، يلتقيان بالنزعة الرمزية والليجورية، وتترافد في نهره سيول من المأساة الإغريقية، من "هاملت"، من كافكا، من سارتر، من اللامعقول، لنماذج أسطورته العربية، وتطلعه الفلسطيني، وكلها تجد آثارها متمازجة في المسرحيات، ربما أكثر مما تجدها بهذا التمازج في الروايات والقصص، اللهم إلا في "رجال في الشمس" و"ما تبقى لكم" وواقع الأمر، ان "الباب" وشيجة الصلة بـ "رجال في الشمس" التي سبقتها قليلاً بالكتابة، وربما عاصرتها، كما أن لرواية "ما تبقى لكم" صلاتها الأسلوبية "القبعة والنبي". إقرأ المزيد