بيان في لغة اللاهوت - لغز الطوارق يكشف لغزي الفراعنة وسومر - أوطان الأرباب ج1
(0)    
المرتبة: 12,058
تاريخ النشر: 01/07/2001
الناشر: شركة الملتقى للطباعة والنشر
توفر الكتاب: نافـد (بإمكانك إضافته إلى عربة التسوق وسنبذل جهدنا لتأمينه)
نبذة نيل وفرات:الطوارق هو الاسم الذي تطلقه الأمم على أهل الصحراء الكبرى، في حين لا يطلقه أهل الصحراء الكبرى على أنفسهم، لأنهم، كأمم كثيرة، يطلقون على أنفسهم اسماً آخر مستعاراً من تراثهم وتاريخهم وتجربتهم ولغتهم هو "إيموهاغ". وهو جمع لمفرد أماهغ الذي يعني الغريب، أو النبيل، أو الضائع، أو المحروب المغلوب ...على أمره، حتى أنهم يرددون في أمثالهم عبارة تقول: "ايموهاغ أميهغن": أي الطوارق مفقودون، أو مسلوبون، تعبيراً عن إحساسهم العميق بضياعهم لا في المتاهة التي تمثلها الصحراء الكبرى وحسب، ولكن تعبيراً عن إحساسهم بالضياع في الوجود الإنساني ولما كانت كلمة إيموهاغ (أو إيموزاع حسب لهجة طوارق مالي أو إيموشاغ حسب لهجة طوارق آير) من الشواذّ التي يجب أن تنتهي بحرف نون حسب قواعد اللغة في حال الجمع، فإن أقوام شمال أفريقيا حاولوا في لهجاتهم التي انبثقت عن هذه اللغة أن يعيدوا اللفظة الشاذة إلى القاعدة عندما أطلقوا اسم "إمازيغن" على القوم، فسموا اللغة الأمازيغية، إنكاراً للشذوذ اللغوي، وانتصاراً لناموس النحو...
ولا أحد يعلم مصدر "أماهغ" أو أيموهاغ، إلا أنه على الأرجح أن يكون هو نفسه اسم "تمحو" الذي ألصقته النصوص المصرية القديمة كاسم للقبائل الليبية المنتشرة في الصحراء الجنوبية لليبيا. ذلك أن الـ"تمحو" بالنطق الشفاهي اسم لا يختلف عن "تمهق"، خاصة إذا وضع في الاعتبار خلو لغة الطوارق من الحروف المتحركة عند كتابتها بأبجدية "تيفيناغ"، كما هو الحال في شقيقتها اللغة المصرية القديمة أيضاً، وخاصة إذا وضع في الاعتبار خلو هذه اللغة من حرف الحاء كخلوه تماماً من الهيروغليفية مثله في ذلك مثل حرف العين الذي يبج أن يستبدل بحرف الغين، لأن افتراضه في الهيروغليفية (التي لا يعلم أحد كيف كانت تنطق حتى اليوم) لم يكن في حقيقة الأمر إلا اجتهاداً خاطئاً من علماء المصريات كما سيوضح ذلك إبراهيم الكوني في كتابه هذا حيث يقول بأن الاستسلام للسياق المثير للاشتقاقات اللغوية تلك سوف يقوده إلى أبعاد يفضل أن يبلغها بالتدريج الذي يتطلبه موضوع التحليل لا قفزاً، لذا لزمه ذلك التأكيد على حقيقة مبدئية هي أن العلاقة بين اللغتين (المصرية وتماهق) ليست علاقة التأثير المتبادل الذي يحتمه تجاوز الأمم أو اختلاط الأجناس البشرية، ولكنها علاقة اللغة الواحدة التي زالت في وادي النيل بفعل تفاعل آلاف السنين مع الأمم الدخيلة، في حين بقي شقّها الثاني على قيد الحياة بفضل العزلة التاريخية الطويلة في متاهات الصحراء الكبرى.
هذه الصحراء التي كانت مسؤولة عن دفع أهلها إلى شطوط وادي النيل أساساً في ذلك التاريخ البعيد عندما بدأ الجفاف، وعمّ التصحر في الفترة التي حددها العلماء بالعشرة آلاف سنة التي سبقت زماننا، فتدفق القوم طلباً للحياة، وكان طبيعياً أن ينطلقوا شرقاً ليلجئوا إلى أرض صحراوية ليست غريبة عن أرضهم التي أقبلوا منها، مع امتياز حيوي حاسم يمثله السيل الأبدي الذي يشف هذه الصحراء ولا ينقطع أبداً كما تنقطع السيول التي عرفوها في صحرائهم الكبرى. استقر القوم على شطآن الوادي الأبدي، واندمجوا مع أبناء الشطآن، قبل أن يبتدئوا في تشييد أو حضارة بشرية عرفت الله، ومعرفة الله هو ما يهم إبراهيم الكوني في هذا السياق، لأن البيان الذي ساقه في كتابه هذا يُري أن أهل التيه الذي طردوا من وطنهم بلعنة الجفاف لم ينتشروا في الأرض (لأن القوم عبروا البحور أيضاً، وفاضوا على شطآن المتوسط الأخرى كما سيلحظ القارئ من خلال قراءته في نصوص هذا الكتاب) حاملين رسالة العمران الأرضي وحدهما، ولكنهم هاجروا حاملين في لسانهم رسالة روحية أعظم بما لا يقاس، هي رسالة الإيمان.
هكذا يمضي إبراهيم الكوني في استنطاق اللغتين المصرية القديمة وشقيقتها لغة الطوارق، مضيئاً بمقارناته القيمة جوانب مجهولة لا في اللغتين وحسب، ولكن في الانتماء السلالي الواحد أيضاً مبيناً بأن لغز الطوارق يكشف لغزي الفراعنة وسومر. وجاء الكتاب ضمن جزءين حمل هذا الجزء عنوان "أوطان الأرباب". إقرأ المزيد