تاريخ النشر: 01/01/1994
الناشر: دار الآداب
نبذة نيل وفرات:كتب الكثير عن موريسون في عالمنا العربي عقب فوزها بالجائزة الأكثر شهرة في عالم الأدب، "جائزة نوبل" وهذه إضاءات تشكل محطات لرحلة تستحق القيام بها مع عالم موريسون الروائي وعبره. روايات موريسون الست، وهي على التوالي: "العين الأكثر زرقة" (1970) سولا (1973) أنشودة سليمان (1977) طفل القار (1981) محبوبة ...(1987) جاز (1992) تنتهي إلى عالم الرواية الواقعية، ولكن مع ملاحظة أن الكاتبة تحرص على شق أرض جديدة وآفاق جديدة لرواياتها في هذا الإطار.
وقد أشار الكثيرون إلى أن موريسون تعتمد بشكل خاص على مؤثرات الواقعية السحرية. ولكن ربما كان من الأكثر دقة القول أن الواقعية السحرية تشكل نهراً واحداً من دلتا هائلة من الأنهار والنهيرات والفروع ارتحلت عبرها الكاتبة. وقد لا يكون من المبالغة القول بأن الرواية الماثلة بين يدي القارئ هي العمل الأكثر نضجاً في مجمل إنجازها الروائي وعلى القارئ ملاحظة أن العنوان لم يأت من الفراغ ولم يذهب إلى المجهول، وربما كان أجمل ما في إبداع موسيقى الجاز هو ذلك الانتقال على جناحي الارتجال عبر آفاق سحرية تشكل جسراً بين مشاعر الجمهور والفنان، وهذا هو إلى حدّ كبير ما حاولته موريسون هنا، إلى حدّ إعادة كتابة صفحات طويلة لاستحضار روح ذلك الارتجال الممكن والمستحيل من كل أعمال موريسون هناك ذلك التمييز الجادّ والصريح والواضح بين "ما يقع" و"ما يحدث".
فما يقع هو ذلك الذي يمكنك أن تقرأه في صحيفة عبر أسطر قلائل أو تشاهده في ثوان خلال تقرير تلفزيون عبر واقعة بعينها، لكن ما يحدث هو ذلك الذي حدث بالفعل ولكن بعد أن يتناهى إلينا خلال التفاصيل الإنسانية الدقيقة واللحظات المترعة بالرحيل عبر الدوافع والخلفيات والآفاق التي يأتي منها السلوك الإنساني، هذا السلوك الذي يستهدف كما تعبّر موريسون على صفحات "جاز" أن تجعل العالم على نحو ما تريده أن يكون.
لا يمكن أن يخطىء القارئ ذلك التمييز الذي تحرص عليه موريسون بين "المكوث" و"الحياة"، فالكثير من الناس يمكثون في أماكن بعينها وتنشأ علاقة عصرية تربطهم بذلك المكان. ولكن ما الذي فعلوه في ذلك المكان؟ إلى أي حدّ غيّروا ملامحه؟ وإلى أي حدّ غرس حضوره في وجدانهم؟ تلك كلها أسئلة تتعلق بفهمنا للحياة.
ما من حديث مع موريسون أو حوار أو محاضرة لها أو كتابة نظرية من أي نوع، وهي أصلاً أستاذة جامعية لم تكتب روايتها الأولى إلا بعد أن بلغت سن الأربعين، إلاّ وتحرص فيه على إضاءة مفهومها عن "نهب اللغة" وقد بلغ من اهتمامها به أن خصصت كلمتها في حقل توزيع جوائز نوبل للحديث عن هذا المفهوم، وهي تقول ببساطة شديدة إن جماعات هائلة من البشر في عالمنا المعاصر، ومن بينهم الجماعات ذات الأصل الإفريقى في أميركا تتعرض لمحاولات تحطيم ثقافتها الخاصة ووجدانها الداخلي، وأن هذا كله يصل إلى قمته في تحطيم لغتها كنمط للتواصل وكنظام إشاري، وبمعنى ما كتفسير للعالم، وأن تلك الجريمة لا يبادلها إلا جريمة الاسترقاق نفسها. وبعد... فإن عالم موريسون الروائي هو من الرحابة والاتساع والعمق بحيث توشك هذه السطور أن تكون دعوة إلى المزيد من الجهد في فهم هذا العالم أكثر مما هي محاولة لإلقاء الضوء عليه. إقرأ المزيد