تاريخ النشر: 01/01/1980
الناشر: الشركة العالمية للكتاب
توفر الكتاب: نافـد (بإمكانك إضافته إلى عربة التسوق وسنبذل جهدنا لتأمينه)
نبذة نيل وفرات:قديماً قيل: إن فلسفة اليونان استنبطت أصولها من أساطيرهم، وأن تكن منابتها الأولى زراعة الشرق في حقول فينيقية وعبرانية ومصرية، وآرية هندية. فلذلك يصح أن تتخذ الأسطورة فكرة فلسفية تقود على ما بعد الطبيعة بأبحاثها الإلهية، وإلى محاولة تفسير للنظام العالمي لاشتمالها على الأرباب المؤلهة من القوى الطبيعية، وإلى ...معرفة الخير والجمال بنما فيها من تأليفه الفضائل الأخلاقية كالحكمة والعدل والجمال. وكان الرواقيون ييقولون بأنهم وجدوا المبادئ العالمية في الأساطير، وذهب الإسكندريون هذا المذهب فارجعوا أصل الفلسفة إلى تعليم الأسرار الأولى في مصر. وقال أفلاطون في "غورجياس": إن الأساطير القديمة تتضمن عوامل الحقائق الكبرى. وهو في "الجمهورية" يؤثر أن يبدأ بها قبل غيرها في تعليم الأحداث، على أن مغزاها حقيقي. والأحداث من غريزتهم يميلون إلى هذا النوع من القصص الوهمي، لأنه يغذي مخيلتهم، ويستثير شواعرهم الدقيقة. بيد أن أفلاطون لم يسمح بأن يلقنوا جميع أنواع الأساطير كخرافات هوميروس وهزيود، فإن هذين الشاعرين شوّها جمال الأرباب والأبطال بما أضافاً إليهم من صفات مذمومة كالمكر والخيانة، والاستهتار بالشهوات. فمثل هذه الأساطير يسيء إلى عقيدة الأحداث في الآلهة وأعاظم الرجال، بخلاف التي تصور الألوهية خيراً وسعادة للبشر، وتظهر البطولة بأسمى معانيها.
وكأن صاحب "من أعماق الجبل" وقعت في قلبه تعاليم أفلاطون فجاءت أساطيره على الجملة مشبعة بفكرة الخير والجمال، تزهر منها أنوار لبنان حاملة إلى العالم القديم رسالة الحضارة والروح والحب والسلام. فـ"النغم التائه"، يرمز إلى الحب الشامل يفيض به قلب لبنان فيزرع الخصب، وينبت العمران، وتنبعث الإنسانية من تلك النفس المنفتحة على حد ما يسميها "برغسن" ويعبر عنها أبدع تعبير. فإذا تاه النغم، وتكاثفت المادة على الروح، ذهب الخير من الناس، وساد الشر والتحاسد والخراب. ولكت النغم يتيه لا يبيد فلا بد له من عودة يتجدد فيها الصراع بين المادة والروح لأن المادة لا تنتقل من القوة إلى الفعل، من النقص إلى الكمال، إلا بمحرك من الروح، فهي لا غنية لها عنه وأن تمردت عليها. وفي أسطورة "الشاعر والشيطان" نلمس حاجة المادة إلى الروح، حاجة الظلام إلى النور، فقد عاد النغم التائه من غربته وحط قراره في قلب شاعر من لبنان، يغني أغنية النور.
فعلى هذا النمط الخير تجري أساطير "من أعماق الجبل" متغنية بحضارة لبنان وجمال أرضه وسمائه، متصلة بقصص الماضين وعقائدهم دون أن تفقد خاصة الاختراع. فقد أعطى صلاح لبكي لنفسه الحرية في إخراجها وتوجيهها، فجاءت صنعاًَ جديداً تطفو عليه روعة القديم وجلاله. وربما حوت الأسطورة أصول أخبار وخرافات مختلفة المجاري، لبنانية ومهاجرة، فيجمع بعضها إلى بعض، ثم يشق لها طريقاً غير طريقها القديم. فأسطورة "بعل مرقد" تذكرنا أوائلها بأسطورة بغماليون، فقد نحت بعل لبنانة بأزميله، ونفخ فيها الروح، وأحبها وزوجها، كما نحت بغماليون بأزميله تمثال فتاة جميلة فتعشقها ثم تزوجها بعد أن بعثت فينيس فيها الحياة. على أن أسطورة صلاح لبكي لا تلبث أن تفارق الأسطورة اليونانية لتنتحي وجهة لبنانية، مسيحية لا وثنية. وكذلك أسطورة "النغم التائه" فإنها تشتمل على خرافة أدونيس وعشتروت، وعلى خبر قاين وهابيل. كلاهما مرتبط بالآخر، وكلاهما يسيران في طريق جديد. إقرأ المزيد