تاريخ النشر: 01/01/1943
الناشر: دار المكشوف
توفر الكتاب: نافـد (بإمكانك إضافته إلى عربة التسوق وسنبذل جهدنا لتأمينه)
نبذة الناشر:ليس في نيتي أن أقدَ للقارئ بحثاً في فلسفة الشعر، وبين يديه شعر يغنيه عن البحث وعن الفلسفة. ولكنني أشير في هذا أكتب إلى أنَ لهذا الشعر مكانه من نشاط النفس البشرية. فالأسباب التي حالت من قبل دون هذا الطموح قد زالت كلَها أو كادت تزول.وبتنا ننعم اليوم بثقافة أعمق ...وأشمل، وحياة اغنى، ومواهب من بركات السماء. وآن لنا ان نطل على أولي الفكر الأصيل زملاء في الجهاد لا تلاميذ.
والشعر ككل خلق إنساني، يكون بعد إكتمال الإنسانية في النفس الموهوبة. لأن تلك العمادة، عمارة الحضارة، التي ما برحت همَ الإنسان منذ كان الإنسان، بينها من الملهمين أولئك الذين رافقت نفوسهم مراحل الإنسانية كلَها، ثم تلخصت من خلالهم أمماً وعصوراً، فأصبحوا أن تألموا فشعب يتألم، أو تاقوا فجيل يتوق.
أما العمارة فواحدة؛ تعلو وتكتمل، وهي واحدة، على إختلاف العصور والبقاع، وعلى تعدد أساليب التعبير بين شعر وتصوير وموسيقى، وعلم وفلسفة وتصرَف؛ كل ما كان في ذلك في صلب الحقيقة فهو حجر من تلك العمارة. أما طابع الموهبة، وإختلاف العصر والإقليم، وتغير النوع التعبيري، فقد تؤثر في رونق الحجر أو قياسه أو موضعه، ولكنها لا تخرج به عن كونه حجراً، وحجراً في تلك العمارة نفسها.
نسمع عن مدارس في الشعر بين واقعية ورمزية وتأثرية، وعن مذاهب في الفلسفة ينقض بعضها البعض، ونسمع عن عصر للأدب يختلف عن عصر، وعن بيئة للفكر تبتعد عن بيئته، ونصبر على الزمان، فاذا صحيح كلَ ذلك يتلخص في ثروة إنسانية واحدة، نعرَفها بالكلاسيكية عادة، أو عمارة الحضارة كما سميتها هنا، فيها لكل فن جناح ولكل فكر زاوية، لكل عصر مدماك ولكل عبقري حجر. أما التصميم فواحد، خلقته عبقرية الإنسانية لا عبقرية الإنسان، ويبنيه عمر التاريخ الذي لا يحد حتى بأعمار العباقرة.
وما أكثر الحجارة التي رمتها الأجيال بعيدة عن تلك العمارة أن حاملها لم يستطع بلوغ المدماك الأخير، أو لأنها أتت من خارج التصميم. فليس يزيد في العمارة بناء لا سلم عنده وإن حمل حجراً؛ وكذلك من بلغ رأس السلم ولا حجارة جديدة بين يديه.
الثقافة والموهبة، كلتاهما ضرورية في بناء الحضارة، أما سلَم شاعرنا فمتزن الدرجات راسخها؛ ثقافة كأغنى ما تكون الثقافات، أخذها من حيث التقت كلها، من أحضان باريس: فكر اليونان وروح المشرق، علم اوروبا وفنون الأرض. أما حجارته فقوامها: حياة تبلغ من فهم الأعماق ما يجعل عندها للقلب منطقاً وللفكر احساساً، ونفس واعية مسؤولة، تعرف أين هي من نفسها ومن بلادها، من الإنسانية ومن الله، وقوة للخلق تنفلت بالجدة إلى أبعد ما تنفلت النفس دون أن تنقطع عن الحقيقة، وتتغلغل في قلب الحقيقة دون أن يمسَها إبتذال الواقع؛ مغمورة كل لفظة منها بإحساس الحب والجمال والخير، وبألف إحساس حلو ما عمَده الناس باسم بعد.
تقرأ، فكأنك مع صلاح، فهنيئاً لنا وللعمارة بناء سلَمه من خشب الأبنوس، وحجارته مرمر ورخام. إقرأ المزيد