عد يا أبي - الكتاب الثاني
(0)    
المرتبة: 111,606
تاريخ النشر: 01/01/1993
الناشر: جروس برس
نبذة نيل وفرات:يغرق أجيال من الآباء والأمّهات، اليوم، في بحر من الحيرة الرهيبة لأنّهم لا يعرفون كيفيّة التحكّم في تربية أبنائهم ولأنّ تنشئة هؤلاء الأبناء مسألة تحتاج إلى إحساسهم المتوازن كأب وأم معاً؛ فالإبن هو، في الواقع، ذلك اللحن الذي يعزفه الآباء والأمهات، لحنٌ طويل الأمد لا بل أطول سمفونيّة معزوفة ...بأنفاس كلّ أب وأم وأحلامهما وتجاربهما نظراً لطول عمر تربيتهما للإبن: فهو لا يقل عن الثمانية عشر عاماً، وكي يكون هذا اللحن منسجماً عليهم عزفه بثقة وإقتدار.
أمّا منبع الحيرة هذه فيكمن، أساساً في فقد زماننا للكثير من التقاليد التي كانت تحمي الإنسان من نفسه بحيث أصبح اليوم يشهد فصولاً مأساويّة من واقع الحياة المعاصرة التي انقلبت المعايير المسيِّرة لها فأصبح بعض بلدان العالم يحمي الإنحرافات وينادي بالمحرّمات...
ولتفكّك الأسرة المعاصرة الدور الرئيس في بلوغ هذا الدّرك النفسي - الأخلاقي المنحطّ، لذا من غير الممكن مواجهة هذا الإنحراف إلاّ بالإلتفات إلى الأسرة والعمل على تقويتها بتقوية قدرة الرجل والمرأة على إكتشاف كلٍّ منهما للآخر، وقدرتهما معاً على التفاعل مع الأبناء وإدارة أمور الحياة مع هؤلاء الأبناء بالمراقبة والشرح والتوجيه والتذكير والإرشاد والتشجيع، وعدم الموافقة على الخطأ، وعدم التحرّج من عقاب الإبن إذا ما تكرّر خطأه...
فالأب والأم هما قائدان في ساحة تربية الأبناء، ومن خلالهم يقودان المجتمعات؛ والقائد يدرّب جنوده علميّاً على أساليب الحياة بثقة وإقتدار، وهذا ما يتطلّب منه التعرّف على مهامّ القيادة حتّى يربيّ (كأب وأم) في الأبناء قدرتهم على السيطرة على المشاكل بدلاً من أن يكونوا مجرّد ضحايا لها.
والواقع الذي لمسناه من دراستنا السابقة أكّد ذلك من خلال تبيان اهميِّة إتصال الآباء بالأبناء ضمن إطار العلاقات العائلية وخطورة النتائج الممكن حدوثها عند الطفل إثر حرمناه من أبيه (أفزيائياً كان هذا الحرمان أم معنويّاً)؛ لكنّه أكّد، بالمقابل، واقع السلبيّة والتفكّك اللذين يسودان هذه العلاقات بحيث بدا كلٍّ من الأب والأم يعيش في عالمه الخاص دون أن يحاول التعرّف على عالم الآخر، عالم الشريك، بهدف مشاركته أفراحه ومقاسمته احزانه ومتاعبه... والنتيجة إنعكاس بالسلبيّة على نموّ الأبناء وقدرتهم على تحقيق الإستقلاليّة الذاتيّة والمبادرة الفرديّة.
وقد بدا هذا الواقع جليّاً، من خلال أبحاثنا ومن خلال مجمل الدراسات التي تناولت الأسرة بشكل عام (الأسرة العربيّة بشكل خاص) ومواقف الآباء من بينهم بالبحث بحيث شدّد مختلف الباحثين على أهميّة التفاهم والمحبّة والإحترام المتبادل بين الزوجين كي يتسنّى للطفل المتمثّل بهما وتكوين بنائه النفساني بشكل طبيعي... والطفل نفسه.
وهكذا ننفذ إلى الفرضيّة I'hypothèse المُقترحمة للبحث ضمن طيّات هذا الكتاب: "يؤدّي تعويض غياب الأب، بفضل البدائل، إلى تأثيرات إيجابيّة وتحسّن ظاهر عند الطفل يبدو، إجمالاً، من خلال تكيّفه الإجتماعي العام".
بتعبير آخر نقول: لا يُعوَّض الغياب الأبويّ بشكل كامل إذ يبقى طعم الحرمان عند المحروم، لكنّ ذلك لا يعني إستحالة وجود وسيلة بنائيّة من شأنها خفض الإنعكاسات السلبيّة الناجمة عن الحرمان وتوجيه الطاقات الفرديّة بإتجاه تطوّري بل إبداعي خلاّق كما ينبئنا به التاريخ لدى مطالعتنا لسير حياة العديد من عظمائه... وأفضل وسيلة، في هذا المضمار، تكمن (كما سبقت الإشارة) في تأمين بدائل راشدة تحمل جنس العنصر الأسري الغائب (هنا: بدائل ذكوريّة). إقرأ المزيد