الثقة، الفضائل الاجتماعية ودورها في خلق الرخاء الاقتصادي
(0)    
المرتبة: 232,832
تاريخ النشر: 01/01/1998
الناشر: RAM
توفر الكتاب: نافـد (بإمكانك إضافته إلى عربة التسوق وسنبذل جهدنا لتأمينه)
نبذة نيل وفرات:إن خلافنا الإيديولوجي والثقافي والأخلاقي والمعرفي مع فكر فوكوياما يجب أن لا ينسينا أن كتابه الأول "نهاية التاريخ والإنسان الأخير"، وهو البعد النظري وكتابه الذي نقلب صفحاته "الثقة: الفضائل الاجتماعية ودورها في خلق الرخاء الاقتصادي" وفيه يقدم فوكوياما القرائن الوضعية والدلائل المادية المتممة، وما تخللها من دراسات وأبحاث، ولا ...سيما أولوية الثقافة، تشكل بمجملها أول نظرية سياسية واقتصادية واجتماعية وفكرية وأخلاقية، وبالتالي فلسفية، تمتلك العالم وتفسر متغيراته منذ عام 1989. كما يجب أن لا ننسى، أن هذه المنظومة الفكرية لم تجد حتى الآن ما يدحضها أو يقارعها أو حتى يوازيها من حيث الشمولية والتكامل والترابط المنطقي الداخلي والاجتهاد بالإحاطة بأحداث العالم المتسارعة التي لم تفقدها الكثير من مصداقيتها أو بريقها.
ولنقرأ بعضاً مما جاء لدى فوكوياما في مسألة الثقة وعن دورها في خلق الرخاء الاقتصادي أن توفر رأس المال الاجتماعي أمر بالغ الأهمية لتحقيق الرخاء الاقتصادي والحفاظ على "القدرة التنافسية"، كما اصطلح على تسميتها مؤخراً. لكن آثاره البعيدة المدى والأكثر أهمية لا تتبدى على الصعيد الاقتصادي بنفس الوضوح الذي تنعكس فيه على مجمل الحياة الاجتماعية والسياسية، إذ يصعب مثلاً تحديد الآثار المباشرة للنزعة الاجتماعية التلقائية على إحصائيات ومعدلات دخل الفرد في هذا المجتمع أو ذاك.
هذا وأن المؤكد أن نجاح الاقتصاد الرأسمالي ضروري جداً لضمان استقرار الديموقراطية الليبرالية. فعلى الرغم من أن الرأسمالية قد تواجدت في ظل أنظمة حكم استبدادية، كما هو الحال في جمهورية الصين الشعبية اليوم، أو كما كان الحال عليه في ألمانيا واليابان وجنوب كوريا وتايوان وإسبانيا في الماضي. إلا أن عملية التصنيع تتطلب درجات عالية من الثقافة والتعليم، كما تتطلب تقسيمات عمل أكثر تعقيداً وتخصصية، وكلا الشرطين يدعم قيام مؤسسات سياسية ديموقراطية، وقد قيل سابقاً أن السوق الاقتصادي بحد ذاته يشكل مدرسة اجتماعية توفر للمواطنين الغرب والحوافز للتعاون وتبادل المنفعة والخبرات مع بعضهم البعض. ولكن في حين أن السوق يفرض نظامه الاجتماعي إلى حد ما، إلا أن المقولة الأساسية لهذا الكتاب تؤكد أن قيم الود والتواصل الاجتماعي لا تظهر بعقوبة وبساطة حالما تتراجع الدولة وتكف عن التدخل في الشؤون الاقتصادية.
وبناء على ذلك يقول فوكوياما بأنه وعندما ندرك أن الحياة الاقتصادية لا تهدف إلى تجميع أكبر دور ممكن من الثروات المادية فحسب بل تهدف أيضاً إلى تحقيق الاعتراف بالقيمة والمكانة المعنوية للأفراد والممتلكات على حد سواء، تتضح لدينا علاقات التكامل والتكافل بين الرأسمالية والديموقراطية الليبرالية.
ويضيف فوكوياما بأن علاقات التكامل بين السياسة والاقتصاد واعتماد كل منها على الأخرى لا تنحصر في نطاق مرحلة التحول الديموقراطي في عصر ما بعد الشيوعية؛ بل تشمل حتى الولايات المتحدة نفسها، فقد أدى انخفاض رأس المال الاجتماعي إلى نتائج مباشرة انعكست آثارها السلبية على الديموقراطية الأميركية ذاتها، وليس فقط على الاقتصاد الأميركي. إن كفاءة المؤسسات السياسية الديموقراطية ليست أقل اعتماداً على الثقة المتبادلة من المؤسسات الاقتصادية، لأن تدني مستويات الثقة في أي مجتمع يتطلب بالضرورة وجود حكومات أكثر فضولاً وتدخلاً في حياة الأفراد، وأكثر ميلاً لسن القوانين المحددة التي تنظم العلاقات الاجتماعية.
ويقول فوكوياما إن الكثير من الحالات التي تطرق إليها في كتابه هذا تشكل تحذيراً واضحاً من خطر ازدياد مركزية السلطة السياسية وما يترتب عليه من آثار سلبية تضعف أو تدمر المجتمعات المدنية، كما حدث في معظم دول المعسكر الشيوعي سابقاً. كل المجتمعات الأسروية التي تتدنى فيها معدلات الثقة كالصين وفرنسا وجنوب إيطاليا كانت نتاج أنظمة حكم ملكية ومركزية في الماضي (في فرنسا كانت الحكومات الجمهورية مركزية أيضاً)، وقد عملت كل تلك الحكومات على الحد من استقلالية المؤسسات الاجتماعية الوسيطة ومنعها من الحصول على سلطات خاصة. على العكس من ذلك، كل المجتمعات التي ترتفع فيها معدلات الثقة، كاليابان وألمانيا، كانت تعيش في ظل سلطات سياسية لامركزية نسبياً طول الفترة التي سبقت قيامها في العصر الحديث. أما في الولايات المتحدة فيرتبط ضعف الجمعيات المدنية وتضاؤل حجمها وصلاحيتها بظهور الدولة القوية ولجوئها إلى المحاكم والسلطات التشريعية والتنفيذية لتدعيم وتفعيل دورها الحكومي.
ويخلص فوكوياما إلى الحقيقة التي تلخص رؤيته في الفضائل الاجتماعية للثقة وفي دورها في خلق الرخاء الاقتصادي. وهي أن السياسات المختلفة التي تنتهجها الحكومات قادرة على تبديد رأس المال الاجتماعي بسهولة أكبر مما تقتضيه عملية ترميمه أو إعادة بنائه. وحين تتم تسوية الخلافات الإيديولوجية والمؤسساتية، فإن مشاكل الحفاظ على رأس المال الاجتماعي وتنميته سوف تحتل مركز الصدارة في العالم. إقرأ المزيد