سورة الكهف - الزمان والإنسان
تاريخ النشر: 01/01/1994
الناشر: دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزيع
توفر الكتاب: نافـد (بإمكانك إضافته إلى عربة التسوق وسنبذل جهدنا لتأمينه)
نبذة نيل وفرات:من أبرز المواضيع الواردة في "سورة الكهف" موضوع "الزمان والظلم". والزمان يعني التاريخ بكل عصوره: الماضي والحاضر والمستقبل. لقد جمعت السور بين حكايات عديدة ضمت أحداثاً وقعت في أزمنة عديدة تخص أفراداً وعائلات وأقواماً ظلموا ثم أعيدت إليهم حقوقهم، وانفرجت أحوالهم بالرحمة الإلهية. على أن ذلك يبين بأن الأحوال ...لا تسير على وتيرة واحدة في الدنيا. فمن منطلق وجود الشر والخير، فلا بد من ظهور الظلم واستفحاله في فترات تاريخية كثيرة، تتبدل على مر العصور، بالنصر. إذ يقوم من الجانب المضطهد من يكافح من أجل الدين، بعقيدته في التوحيد، ويتوسع في الكفاح مع الوقت، حتى ينتهي الحال به إلى الظفر.
هذا هو أحد الأفكار الرئيسية في قصة أهل الكهف". ومن الاكتشافات الوقائية الدفاعية التي تحدثت عنها "سورة الكهف" السد الذي بناه ذو القرنين كما ورد في القصة التي أحضرتها تلك السورة عنه. إن تلك القصة تحمل في طياتها بعداً زمنياً آخر، متمثلاً هذه المرة في النظرة للتاريخ حين "وقوعه". وتتجلى تلك النظرة في الأعمال العظيمة التي قام بها هذا القائد الكبير في أنحاء شتى من العالم المأهول وقتئذ.
ولكن يجب أن نضيف عند هذه النقطة، بأن تلك القصة تحمل في طياتها بعداً زمنياً آخر، متمثلاً في التاريخ بأكمله. فمع أن الأحداث -حين وقوعها- جرت في أوقات محددة، إلى أن الرمزية الكامنة في اسم "ذي القرنين" وفي تعابير "السد"، ويأجوج ومأجوج" تشير إلى تمازج بين الماضي والحاضر والمستقبل. فالرموز هنا تكشف عن الأفكار الصالحة لكل زمان ومكان. وإضافة إلى هذا البعد الزماني المشترك في كل القصص، فهناك بعد زمني آخر مختص "بقصة موسى مع الرجل الصالح" حيث تحمل في طياتها نظرة "أمامية" للتاريخ. وهي تعني "استنشاق" الأحداث، وعمل اللازم قبل وقوعها من خلال "العلم اللدني" المتوفر لدى القائم بها حين الاستنشاق. هذا بالنسبة للإنسان والزمان في حياته على الأرض، ولكن بروعة الأسلوب في "سورة الكهف" فإنها لا تبقي القارئ أمام مشاهد دنيوية فحسب، بل تبقيه في حالة انتقال مستمر بين الدنيا والآخرة، لكي يظل في حالة من التأهب لإبقاء عين له على الدنيا... وعين أخرى على الآخرة هذا وما بين تركيز القارئ الذهني على الدارين، يرى الفروق الشاسعة بين أحوال الكافر والمؤمن الصالح في الدنيا، وأحوالهما في الآخرة.
فمقابل الفترة الزمنية القصيرة التي يقضيها الشخص الكافر في الاستمتاع بالمتاع والزخرف الدنيوي، دون أي اعتبار للشرائع الروحية والفضائل الأخلاقية يقضي حياة "دائمة" بالتعذيب في نار جهنم، ولكن مقابل الفترة الزمنية التي يقضيها الشخص المؤمن في العمل الصالح بصدق وتعقل، يفضي حياة سعيدة دائمة في جنات الفردوس. هذا، وما بين تلك المشاهد الدنيوية الآخروية البالغة في الحيوية من حيث التصوير... تنتهي سورة الكهف برسم لأعلى أفق الإنسانية... ألا وهو أفق الرسالة التامة من حيث الكمال والشمولية، ومن هنا تلتقي "خاتمة" السورة مع بدايتها في نفس النقطة، هذا ما تشير إليه الدكتورة "زاهية راغب الدجاني" في هذه الدراسة التي تمثل منهجاً علمياً معاصراً في فهم معاني القرآن الكريم وتفسيرها. إقرأ المزيد