تاريخ النشر: 01/01/2000
الناشر: مركز دراسات الوحدة العربية
نبذة نيل وفرات:إن دراسة علم الاجتماع للدين كانت وما تزال جزءاً لا يتجزأ من المجهود العام الذي يقوم به الفلاسفة والعلماء والمؤرخون والنقاد لفهم الظاهرة الدينية، الأمر الذي جعلها تتم في إطار نظري أشمل يتجاوز خصوصيات الظاهرة وملابساتها إلى مستويات أخرى ذات أبعاد متعددة فلسفية وتاريخية واجتماعية. فالدراسات الاجتماعية لكل ما ...هو ديني تمثل حلقة من حلقات البحث العلمي بمعناه الأوسع، وهي بالتالي تنجز في فضاء معرفي أشمل. ولقد شهد المجتمع العربي منذ السبعينات، أعمالاً وندوات ومؤثرات حول الأصالة والتراث والمعاصرة والحداثة، وما إلى ذلك.
وتطلب الأمر، والحالة هذه، مشاركة المشتغلين بعلم الاجتماع الذين سعوا إلى تأسيس الجمعية العربية لعلم الاجتماع، كضرورة لتطوير العلم ووضعه أمام مسؤولياته القومية والعلمية، ومشاركتهم في قضايا أمتهم وهمومها بالأسلوب العلمي. وكان على قائمة المهام التي تمّ "جدولتها" ضرورة الاهتمام-من منظورات علم الاجتماع-بالدين في المجتمع العربي بوصف هذا الدين بعداً جوهرياً كلياً في حضوره في التاريخ السياسي والاجتماعي العربي، وفي الحضارة والشخصية العربيتين.
وحرصت اللجنة التحضيرية للتخطيط لندوة "الدين في المجتمع العربي"، منذ اجتماعاتها الأولى، على إبراز الفرق البين بين الدين كعقيدة وإيمان يسمو إلى مستوى القداسة والمطلق، وبين الوعي الديني بمستوياته الوجدانية والمعرفية والايديولوجية، أي فهم الأفراد والجماعات للدين، و"تدينهم" الذي يعبر عنه بتجليات وممارسات وتأويلات نسبية، تتفاعل مع الأماكن والأزمنة ومراحل التطور الاجتماعي الاقتصادي في المجتمع العربي، وفي أقطاره، وهي تفاعلات تتشابك وتتداخل بشأنها مجموعة من العوامل الاجتماعية (الفردية والطبقية) والسياسية (السلطة الحاكمة والمعارضة) والحضارية (الأصيلة والدخيلة)، التاريخية والمعاصرة، وبهذا تحدد موضوع الندوة، وفي ضوء الفهم السوسيولوجي للدين، بكل ما هو ذو علاقة بفهم البشر، ووعيهم وممارساتهم وتعاملهم مع الدين، وليس بما هو مطلق وثابت ومقدس في الدين. وعلى طريق تحقيق الشمول النسبي في تناول الموضوع، جاء التخطيط للندوة ليجمع بين الأبعاد النظرية والمنهجية في دراسة الدين، بالمعنى المشار إليه، وبين الأبعاد والحالات التاريخية والمعاصرة، كتطور الوعي الديني وتغايره بتطور المراحل التاريخية للمجتمع العربي وتغايرها، من خلال دراسة حالة بعض التطورات والحركات الدينية في عدد من الأقطار العربية كمصر والسودان وتونس والجزائر، على سبيل المثال.
وكان من الطبيعي لإتمام التتبع، الوقوف على الحاضر لاستطلاع الوعي والممارسات والظواهر الدينية البارزة في الشارع العربي، مثل وضعية "التدين" في الحياة اليومية للمواطن العربي، والحركات الدينية المعاصرة، وبعض ما سمي في الشارع العربي "تطرفاً". ثم كان القسم الأخير في الندوة الذي قصد به تقديم إطلالة على مستقبل دور الدين في حركة المجتمع العربي، وهو مساهم في استشراف وضعية الدين وأدواره في تعبئة المجتمع العربي، نحو مراميه المنشودة، في الوحدة والإبداع والتحرر والاعتماد الجماعي على الذات. وقد تمّ حصاد أعمال هذه الندوة "الدين في المجتمع العربي" بين طيات هذا الكتاب على أمل الاستفادة منه في أعمال تالية للجمعية العربية لعلم الاجتماع هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى الاستفادة من هذا الحصاد على نطاق بحثي ودراسي أعم، يطال الفرد والهيئات العاملين في هذا الحقل. إقرأ المزيد