تاريخ النشر: 07/07/2025
الناشر: دار الفقيه للنشر
نبذة الناشر:اسمع يا أستاذ صموئيل... أنت وسيدتي تتعاملان بالمسروقات، والمسروقات ملكٌ لِمَنْ يستحوذ عليها... فالأموال التي عندك هي ملك لك لأنك استحوذت عليها مع أنّها مسروقات، والطفل عند سيدتي هو ملكٌ لها مع أنه بضاعة مسروقة. فلا داعي للاختباء وراء الأصابع…
هنا قاطعها صموئيل والغضب أخذ منه كل مأخذ وقال بلهجة التهديد:
- اسمعي ...يا هذه، أنا لا احتاج لفلسفتكِ، ولن أسمح لكِ ولسيدتكِ بأن تسرقاني حتّى ولو كانت أموالي مسروقة... تلزمني ساعة واحدة لأدفنكما أنتِ وهي واستعيد الطفل...
ثم وجه كلامه لموشيه قائلاً بصيغة الأمر:
- موشيه... أقبض عليها وخذها إلى المستودع!
فأجابته كارلا:
- إذا أنت تحتاج لساعة حتى تدفنني انا وسيدتي، فبالنسبة لي دقيقة واحدة تكفي.
ثم أومأت لموشيه أن ينفذ ما اتفقت عليه معه، فقام موشيه بالقبض على عنقه ووضع خنجراً عليه، قائلاً له:
- عذراً سيدي، فأنا لا أقتل النساء.على تخوم حيفا الهادئة، كانت تقوم هضبة تطلّ على "بحر يافا"، يطلق عليها أبناء يافا اسم "تل الربيع". يقصدها أهل يافا في الأعياد والإجازات للتنزّه. كانت ملاعب للأطفال والفتية يتراكضون ويتسابقون. وكان الفتيان ينظمون سباقات الخيل أو البغال والحمير. وكثيراً ما تجد عدداً من الشباب والفتية يتحلّقون حول ديكين في لعبة "المناقرة" بين الديوك وسط حماس وتشجيع المتحلّقين حول دائرة الديكين. وتحت ظلال شجرة عتيقة وارفة، هنا وهناك، تجد الأهل يعقدون جلسات المسامرة حول نار موقدة يتشارك الرجال والنساء على طهي طعام. وغالباً ما يكون الطعام شواء للحم الضأن مع ما يرافقه من مقبّلات من خضار ومتبّل الحمص أو الباذنجان مع الطحينة أو بدونها، وكبيس الخيار واللّفت، ومكدوس الباذنجان الشهي المحشو بالتوابل والجوز. أو يستمعون لشيخٍ يروي لهم سيَر الأجداد وأحداث غابر الزمان.
وفي غفلة من الزمن، وبعد أن وقعت المدينة وبلاد الشام كلها تحت الاحتلال الإنكليزي بعد الحرب العالمية الأولى، بدأ الجنود الإنكليز يمنعون الناس من الوصول إلى "تل الربيع" بحجة وجود مواقع عسكرية ممنوع الاقتراب منها... وسرعان ما بدأت ترتفع فيها أبنية لتسكنها عائلات غريبة عن يافا، غريبة عن المنطقة كلها. لا يلبسون لباس أهلها، ولا يتكلّمون لغتهم.
ارتاب أبناء يافا من هؤلاء الغرباء الذين يسكنون في تلك المباني الجديدة المتناسقة والمؤلفة من أربع أدوار وأصبحت تضمّ مئات العائلات خلال فترة زمنية قصيرة ويتنقّلون بحراسة الجنود الإنكليز، خاصة عندما علم أهل يافا بأن عدداً كبيراً من الأماكن في أرجاء فلسطين يجري فيها مثل ما يجري في "تل الربيع"، وأن سكّان تلك الأماكن هم أيضاً غرباء عن المنطقة، وجميعهم يتم إسكانهم عن طريق الوكالة اليهوديّة، وأنّهم ينظمون أنفسهم في تشكيلات عسكريّة، كما أن الإنكليز بدأوا يمدوهم بالأسلحة بحجة حماية أحيائهم ومتاجرهم من أهل البلد.
بدأ أهل يافا يسمعون اسماً جديداً يُطلَق على "تل الربيع"، فقد غيّر السكّان الجُدُد اسمه إلى "تل أبيب"، وفصلوه عن يافا، ووافق الإنكليز معهم على ذلك.
ولم يمضِ وقت طويل حتى بدأت ليالي يافا تتغيّر عمّا كان يألفه أهلها... فأهل يافا إقرأ المزيد