تاريخ النشر: 01/01/2021
الناشر: دار المقتبس
نبذة نيل وفرات:الأدب هو الظرف وحسن التناول، وما يتأدب به المرء يسمى أدباً لأنه يأدب الناس إلى المحاسن وينهاهم عن المقابح، هكذا كتب صاحب "لسان العرب"، وبقليل من التوسع يمن سحب كلامه على ما يتعارفه الناس من معنى الأدب الآن وما يتبادر إليهم من اللمات المستعملة لديهم؛ أمثال: حياة أدبية، وشجاعة ...أدبية، والأمة راقية في آدابها، وحياة الأمة المادية والأدبية، فإن لهذه الألفاظ دوائر تنتظم فيها الحياة الصحيحة، والأخلاق الحسان، وآداب العلوم التي هي زبدتها وخلاصتها، وآداب اللغة في رقيّها وانحطاطها، وسعتها وإنكماشها، وما تعاقبته من الأطوار، والأدب الثري يصير به المرء أديباً من إمساك الكتاب وإمساك القلم، يمسك الكتاب يقرأ فيه الشاهد والمثل والنماذج الأدبية، ثم يمس القلم يحكي ما تعلم وينظم على وفاق ما تأدب.
وإذا رجعنا البصر في تفسير الأدب بالظرف حملناه على الفنون الجميلة التي تنتظم الشعر والموسيقا والكتابة الأدبية والخطب المثيرة والمحاضرات الرفيعة، والمساجلات الظريفة، وهذه علوم الأدب، تبحث في مقدار روح الأمة الأدبية ووجهتها ومبلغ نموها فيها، وإن شئت فقل: إن علم الأدب هو علم لذائذ النفس الصحيحة؛ إذ نفس الأديب لا تحيا إلا بين الفنون الجميلة حيث الموسيقا تطربها، والشعر يلذّ لها، والخطب تثيرها، والمحاضرات تسيليها.
فعلم الأدب، والحال هذه، جدير بالإكرام وجدير بالإعظام، وهذا ما حدا بالباحث إلى أن يكتب رسالته هذه في الأدب العصري بمصر "بعدما رأينا نفحة هبت عليه فأخذت بيده ورفعت من مناره... لله درّ أدباء العصر، رفعوا راية الأدب العصري فطاولت علم الأدب القديم وكادت تطول عليه، غير ناسين فضله عليهم ولا عاقّين أدباءه الدارسين [...].
ويعني الباحث في رسالته هذه بالأدب العصري؛ ما أدركته سنيّه الأدبية: أي ما رآه في حياته منذ تطلع إلى فنّ، وشغف بآثار الآدباء.
ومهما يكن من أمر، وبعد أن اختلس الباحث نظرة سارق فيها لسان ميزان الأدب حيث وازن بين الأدب العصري والأدب القديم، فهو يكاد يراه يترفرف ذات اليمين وذات الشمال، موازناً بين طبقة من الأدباء يقوم بها منار الأدب العصري، وبين طائفة أخرى رفعت ذكر الأدب في عصرها بل؛ يخصّ ذلك بين بلد وبلد، مشيراً بأن موازنته بين الأدب العصري في مصر إنما هو يوازن بين أرفع عصر زها فيه الأدب في العراق مسلطاً الضوء على حركة التطور التي واكبت الأدب العصري مبيناً بأن الأدباء العصريون إنما سلكوا دروباً ضلّلت عن قدماء الأدباء، ورأوا أشياء لم يبصروها بأعينهم، كيف لا، والكون في حركةٍ وتقدم، والمتأخر يرى ما لا يرى المتقدم، خصوصاً ما ابتدعه العصريون من الأدب الصحافي، حيث خُلق فنٌّ جديد يدعى الكتابة الصحافية، واسترسال الأدباء في تقليد الفرنجة حتى أوجدوا الكتابة الروائية، التي غايرت ما عليه الرواية القديمة، مشيراً إلى ثغرة في الأدب العصري، فهو ينقصه فنٌّ بديع من فنون الأدب ألا وهو فنّ محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء، الذي يرى أنه ينقصه مجالس الغناء وتطارح الأدباء، والظرف الذي اختص به المتأدبون...
وهكذا، يمضي الباحث في إجراء مقارباته بين الأدب القديم والأدب العصري، بأسلوب لطيف، مسترسلاً في شواهده، وفيما كان عليه الأدب في العصور السابقة القديمة، ومكثراً مما جاءت به قرائح الظرفاء من الأدباء والشعراء...
وتلك الجلسات مع الأمراء، وما جاءت به قريحة الشعراء... متنقلاً ثم إلى تسليط الضوء على الأدب العصري، حيث يختتم جولته في الأدب والفنون القديمة بقوله: "وجملة القول أن الأدب العصري في حال أحسن، وأنه راق نحو الكمال، خصوصاً أن يمتاز عن الأدب القديم بتلك الصلة الحيّة التي تمده من الأدب الغربي الذي بلغ غايةً يحسده عليها الشرق وأدباؤه [...]
مبيناً بأن من كتِّاب الأدباء الآن من يطاول عبد الحميد في كتابته، ويطاول الجاحظ في قدرته، ويخلف ابن العميد، ويدوس الصاحب بمنسمه، وإن من شعراء الأدباء الآن من برّز على أبي نواس في حِكَمه وفهرياته، وفات الشريف الرضي في فخره وحماسته، وتملّح حتى فاق ابن المعتز في رقته وغزله، ومنهم من زاد إغراباً عن ابن العشرين، وغلب شيطانه في الغريب شيطان التنفري، وبين الأدباء المصريون روائيون سبقوا صاحب "ألف ليلة وليلة"، وسجّاعون لا يعجبهم الحريري ولا يرون لهم الزمخشري، هؤلاء إلى أدباء الصحافة وكتّاب السياسة يرتعون منار الأدب العصري ويُسيرون نحو غاية لا يُدرك القلم شأوها.
ثم لينتقل إلى إلقاء الضوء على الفنون الجميلة في الأدب العصري، ليركز من ثم على الشجر مستشهداً بثلة من شعراء أدب العصر، وثم يستعرض فن الكتابة وأهم من نبغوا فيها، وكذلك الأدباء البارزون في فن الكتابة، وأدباء النادي، والعلماء الكتاب، ثم الصحافيون، وأدباء كرم النور منتقلاً إلى فن الغناء وتاريخه في مصر، مستعرضاً أخيراً أنواع الغناء. إقرأ المزيد