الحضارة العربية الإسلامية وأثرها الحضاري ؛ الأندلس
(0)    
المرتبة: 194,844
تاريخ النشر: 14/03/2022
الناشر: زاد ناشرون وموزعون
مدة التأمين: يتوفر عادة في غضون أسبوعين
نبذة الناشر:في العصور الحديثة نجد العرب يعترفون بأن نهضتهم بدأت مع الاحتكاك الأول بالغرب الاستعماري، أما بالنسبة للأوروبيين فقد تلكأوا طويلاً في الاعتراف بفضل الحضارة العربية الإسلامية عليهم ومساهمة العرب والمسلمين في نهضتهم الحديثة، مع أن مظاهر التشرب والاستيعاب لعدد من عناص الفكر العربي الإسلامي ظهرت جلية وواضحة في الانتاج الفكري ...الفلسفي والأدبي وكذلك في مجال العلوم الطبيعية. بحيث من الصعب إنكار ذلك أو تجاوزه، أو الإدعاء بأن ما قدمه العرب لأوروبا اقتصر على حفظ الفكر اليوناني وترجمته دون زيادة تذكر.
فهذا بخلاف ما كشف عنه الانتربولوجيون والمؤرخون الغربيون المعاصرون وهم يرصدون تطور العلاقات الثقافية بين الشعوب والحضارات عبر التاريخ، فقد اكد المؤرخ الفرنسي (فرناند برودل) على أهمية الاقتباس أثناء لحظات التثاقف بين الحضارات والثقافات، بالإضافة إلى حتمية التداخل بين الحضارات، حيث تنتقل مجموعة من العناصر الثقافية من حضارة إلى أخرى ويتم استيعابها كاملة أو مع بعض التعديلات كي تنسجم مع البنية الثقافية الجديدة، وهذا يؤكد تهافت الرأي الغربي الذي يدعي بأن العرب والمسلمين كانوا مجرد نقلة للفكر اليوناني وأنهم سلموا أوروبا مشعل الحضارة منطفئاً وأنهم هم من قام بإشعاله من جديد.
وبذلك لم يتم اختزال وتجاوز اللحظة الحضارية العربية الإسلامية، وإنما تم إنكار مساهمة باقي الحضارات والثقافات في التراكم المعرفي الذي حققته البشرية، لأن العرب والمسلمون لم يستوعبوا فقط الفكر الفلسفي اليوناني، بل أخذوا من الحضارتين الهندية والفارسية الكثير ومن باقي الثقافات المحلية الأخرى كذلك، الكثير من العناصر الثقافية بالإضافة إلى العنصر الإسلامي، فلا يمكن أبداً إغفال ما قدمه الوحي وما حملته نصوصه المقدسة، من مفاهيم معرفية جديدة ورؤية للعالم، وقد انطلق جميع الفلاسفة المسلمين من هذه الرؤية في فهمهم ونقدهم للفلسفة اليونانية وفي حاولاتهم للتوفيق بين الرؤيتين اليونانية والإسلامية. لذلك فقد تسربت مجموعة من عناصر هذه الرؤية التركيبية الجديدة إلى الفكر الأوروبي عن طريق مؤلفات الفارابي وابن سينا وابن رشد وابن عربي وابن حزم وشعراء الأندلس، وسرعان ما ظهرت تجليات هذه العناصر في الفكر الأوروبي وخصوصاً في اللاهوت والأدب.
وكما قلنا في البداية هذا الموقف الغربي الأيديولوجي من الحضارة العربية الإسلامية كانت تقف وراءه معطيات تاريخية وموضوعية لتبرير الهجوم والهيمنة الغربية على العالم، لكن مع بداية تحرر الاستشراق من هذه الخلفيات والدوافع غير العلمية، وظهور بعض علماء الإسلاميات الموضوعيين، لاحظنا كيف توالت الاعترافات بفضل الحضارة العربية وحجم مساهمتها في النهضة الحديثة، خصوصاً مع الاستشراق الإسباني الذي تجاوز عقدة عدم الاعتراف بالحضارة العربية والتواجد الإسلامي في الأندلس، وبدأ يستوعب تلك اللحظة الحضارية بالكثير من الموضوعية، ويتحدث عن الدور الوسيط الذي لعبته إسبانيا إلى جانب صقلية في نقل التراث العربي إلى أوروبا، بالإضافة إلى الحديث عن حجم التأثير العربي على الفكر والأدب الإسبانيين، وكيف تسللت الروح الحضارية العربية والإسلامية إلى الوجدان الإسباني ومازالت ثاوية في أعماقه إلى الآن.
وإذا علمنا أن من بين إحدى أهم أوجه الصراع ومظاهر العداء والكراهية اليوم بين الغرب المسيحي والعالم العربي الإسلامي تتجلى في عدم الاعتراف الغربي بفضل الحضارة العربية الإسلامية ومساهمتها في النهضة الحديثة، فإن توالي هذه الاعترافات من مفكرين وباحثين ومستشرقين جدد وسياسيين في الغرب، يخفف من هذا التوتر أو الحرب الباردة القائمة الآن بين الإسلام والغرب، ويفتح آفاقاً جديدة لقيام حوار حضاري شامل قد يلغي مبررات الصراع والصدام الذي يراه البعض في الغرب حتمياً في المستقبل إقرأ المزيد